Smiley face Smiley face Smiley face

قمّة بوتين – بايدن.. أين القطبة المخفيّة؟….بقلم شارل أبي نادر 

هل تشكّل القمّة المرتقبة استكمالاً لمسار قديم جديد أو أنّ الطرفين سوف ينتبهان إلى نقطة حساسة جداً تمثّل متغيّراً رئيساً عن السابق؟يمكن القول إنَّ مفاوضات القمة انطلقت قبل أن تبدأ في موعدها المقرّر في 16 حزيران/يونيو الحالي.

لم يكن أحد ينتظر أن يتّفق قادة روسيا والولايات المتحدة الأميركيّة على عقد قمّة، على الأقل في المدى المنظور، بسبب تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين قال حرفياً: “أعتقد بأنَّه قاتل”، وحذّره من أنه “سيدفع ثمن” أعماله، مع ما رافق ذلك من إجراءات دبلوماسية متشددة تبادلها الطرفان، قبل أن يتم الاتفاق على عقد القمة في 16 حزيران/يونيو الجاري في جنيف، ما بدّد أجواء القطيعة، وأكّد معادلة لطالما طبعت العلاقات الدولية، ومفادها أن لا شيء مستحيلاً أو مستبعداً في السياسة، وخصوصاً أمام مصالح الدول.

تكمن أهميّة هذه القمّة المرتقبة، فضلاً عن أنها أزالت رواسب تصريحات الرئيس الأميركي المذكورة، في أنها الأولى بعد تسلّم الأخير الإدارة الأميركية، وهي تأتي في ظلّ اشتباك غير بسيط على جملة من الملفات، تعتبر تاريخياً من الملفات الحسّاسة، ولطالما شكّلت عناصر النزاع الاستراتيجي بين القوتين، وأهمها النفوذ والسّيطرة حول العالم والسباق على التسلّح.

بعد أن اختصر الرئيس الأميركي هذه الملفات بـ”الاستقرار الاستراتيجي والرقابة على التسلح”، وأشار إلى أنَّ واشنطن تسعى لإقامة علاقات مستقرة مع موسكو بخصوص المسائل الرئيسية، وأنه “لن يتردّد في الرد على أي أنشطة خبيثة، وعلى أيّ سلوكيات تنتهك السيادة الأميركية، مثل التدخل في انتخاباتنا الديمقراطية”، وبعد أن أشار الرئيس بوتين إلى أن الولايات المتحدة، بنهجها السياسي الحالي، ترتكب “خطأ خاصاً بالإمبراطوريات”، بعد أن شبَّهها بالاتحاد السوفياتي السابق، وحذّرها من أن ذلك قد يفضي في نهاية المطاف إلى انهيارها، كيف سيكون مسار هذه القمة؟ وهل ستنتهي بالحد من النزاع، ما ينتج استقراراً في العلاقات، أو أنها ستكون منطلقاً عنيفاً لتوسيع المواجهة بين القوتين؟ وهل يوجد ملف مخفيّ سيظهر فجأة ويسيطر على المباحثات ويتصدَّرها؟

في الواقع، يمكن القول إنَّ مفاوضات القمة انطلقت قبل أن تبدأ في موعدها المقرّر في 16 حزيران/يونيو الحالي، من خلال عدة رسائل وجّهتها موسكو وواشنطن، وكان للأخيرة النصيب الأكبر في إطلاقها، وبطريقة ملغومة، كما درجت عادة الأميركيين.

يمكن تحديد هذه الرسائل بالتالي:

لناحية سباق التسلّح
أشار المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأميركيّة جون كيربي، مؤخّراً، إلى وجود ظواهر جويّة مجهولة، يرصدها سلاح الطيران منذ العام 2020، وقال إنَّها قد تشكّل تهديداً محتملاً للأمن القومي للولايات المتّحدة. عالم فلك أميركي قال بدوره إنَّ ما يراه البنتاغون “أطباقاً طائرة”، قد يكون طائرات مسيّرة روسية، مع إشارة حسّاسة أخرى من البنتاغون إلى أنَّها قد تكون أسلحة فرط صوتيّة روسيّة، من التي تجوب الفضاء حالياً بشكل شبه متواصل.

أمام هذا الموضوع، يمكن طرح التساؤلات التالية:

لماذا ظهرت هذه المعطيات عن ظواهر جويّة طائرة قبل القمة الأميركية الروسية المرتقبة الآن؟ وهل يرتبط الموضوع بمحاولة خلق ملفّ خلافيّ ضاغط على الروس، بهدف استغلاله للدخول في موضوع عسكرة الفضاء والتصويب الأميركي على النفوذ الروسي المتصاعد في الفضاء؟

ولماذا يشير البنتاغون اليوم إلى الأسلحة الفرط صوتية الروسية، في الوقت الذي تتم متابعتها من قبل طياري البحرية الجوية الأميركيين منذ العام 2020؟ وهل يرتبط التّوقيت بمحاولة إدخال هذه الأسلحة الروسيّة في المباحثات، وخصوصاً في ظلِّ عجز الأميركيين عن إحداث توازن في امتلاكها مقارنة مع الروس، وباعتراف الأميركيين صراحةً بالتفوّق الروسي في هذه القدرات النّوعيّة؟

من جهة الروس، كان لافتاً إعلان وزير الدفاع شويغو مؤخراً إنشاء نحو 20 وحدة عسكرية جديدة في المنطقة العسكرية الغربية غرب روسيا، وعلى تخوم شرق أوروبا، رداً على أفعال حلف شمال الأطلسي (الناتو) – بحسب شويغو – مع تغيير في وضعية الصواريخ الروسية في تلك المنطقة، يتضمن – بحسب الخبير العسكري الروسي أليكسي يونكوف في تصريح إلى وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” – نشر المزيد من صواريخ “إسكندر” التكتيكية عند الحدود الغربية، وأيضاً نشر الصواريخ المتوسطة المدى، والمزوّدة بالرؤوس الحربية الأسرع كثيراً من الصّوت، إذا ظهرت صواريخ من هذا النوع في أوروبا.

حساسيّة هذا الطرح الروسي، وخصوصاً في ما يتعلَّق بصاروخ “إسكندر”، تكمن في أنَّ الأخير يملك العديد من المميزات التي تجعله متفوقاً على أغلب الصواريخ الغربية، كما أنَّ نشر عدة بطاريات من هذا الصاروخ في غرب روسيا، كان من الأسباب الرئيسيَّة التي ادَّعتها واشنطن وبرَّرت قرارها بالاستناد إليها للانسحاب من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى.

لناحية النفوذ والسباق على السيطرة
تسابقت مؤخراً التّصاريح التي تصوّب على روسيا، بين تلك الصادرة عن الرئيس بايدن أو عن وزير خارجيته أنتوني بلينكن، وفي الوقت الذي تحدَّث الرئيس الأميركي في قمة الناتو الأخيرة عن الخطر الروسي، وقال إنَّ واشنطن ملتزمة بحماية حلفائها، وأضاف: “نحن موحّدون في مواجهة المخاطر التي تشكّلها روسيا على الأمن الأوروبي، ابتداء من عدوانها على أوكرانيا، ولن يكون هناك أدنى شك في عزم الولايات المتحدة على الدفاع عن القيم الديمقراطية التي لا يمكن فصلها عن مصالحها”، عاد وذكَّر، وبشكل واضح، وبصوت مرتفع، بالمادّة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي تنصّ على أنَّ الهجوم على إحدى دول الحلف سوف يُعامل على أساس أنَّه هجوم على باقي الأعضاء جميعاً، وأنَّ الحلفاء ملزمون بالردّ عليه، وأنَّ استخدام القوة العسكرية يعدّ أحد الخيارات في هذه الحالة، ومن واجب أيّ دولة من دول الحلف أن تساعد الطّرف أو الأطراف الّتي تتعرَّض لمثل هذا الهجوم على الفور، وأن تتّخذ من الإجراءات ما تراه لازماً في هذا الوضع.

من جهة الروس، وفي معرض تعليقه على سياسة الأميركيين، أشار الرئيس الروسي إلى “أن الولايات المتحدة الأميركية تسير بخطى واثقة على درب الاتحاد السوفياتي، وأن روسيا كانت وستبقى، ويجب القبول بذلك، وأننا نسمع تهديدات متواصلة من الكونغرس وأماكن أخرى”.

ويتمثل جوهر المشكلة، ودائماً بحسب بوتين، في أنَّ “هناك مشكلة خاصة بالإمبراطوريات، تكمن في قناعتها بأنَّ عظمتها تتيح لها ارتكاب أخطاء صغيرة. إنهم يقولون: سنشتري هؤلاء، وسنخيف أولئك، وسنتفق مع هؤلاء، وسنهدي أولئك قلادة، وسنهدد هؤلاء بسفن حربية، وسنحلّ كلّ مشاكلنا، ولكنَّ المشاكل تتراكم، وستحلّ اللحظة التي لا يعود فيها التحمل ممكناً”.

في الواقع، وإذا ما عدنا إلى مسار الصراع الاستراتيجي والاشتباك المتواصل بين الروس والأميركيين، ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم المتحدة، وما رافق هذا المسار من مواجهات مباشرة أو غير مباشرة، لناحية سباق التسلّح أو السباق على فرض النفوذ والسيطرة، يمكن القول إنه لم يتغيَّر شيءٌ تقريباً في عناصر هذا الصراع، وربما حالياً، تشهد المواجهة مستوى أخفّ حدّة من ذلك الذي كان يحدث أيام الحرب الباردة. وفي عدّة مناسبات حينها، اقتربت المواجهات كثيراً من الصّدام العسكري المباشر، الذي كان سيكون مدمراً للجميع، في حال حدوثه، وبقيت الخطوط الحمر مصونة ومحترمة، وبقيت قنوات الحوار، وفي أصعب الأوقات، مفتوحة وسالكة.

هل تكون القمّة الحاليّة المرتقبة استكمالاً لمسار قديم جديد، لم يدخل عليه ما يستدعي تغييراً في استراتيجية كل طرف تجاه الآخر، أو أنّ الطرفين سوف ينتبهان إلى نقطة حساسة جداً، تشكّل متغيّراً رئيساً عن السابق، وتستدعي الحوار المعمق واتخاذ قرار مشترك لمواجهتها؟

نعني بذلك الصين، ودخولها اليوم إلى حلبة الصراع العالمي الاستراتيجي لاعباً رئيسياً، بما تمثله من قوّة اقتصاديّة كاسحة، ومن مشروع أكيد لقوة عسكرية غامضة، لن تكون بعيدة في تطورها ومستواها عن قوتها الاقتصاديّة والعلميّة؟

هل يتّفق الطرفان (الأميركي والروسي) على حساسيّة هذه القوة الصادمة وخطورتها على مسرح الصراع الدولي، فيضعان عناصر الخلاف التقليدي بينهما جانباً، ويعملان على خلق استراتيجية مشتركة لمواجهة هذا التنين الضخم؟

المصدر: الميادين نت

Views: 2

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي