بدأت روسيا تُوسّع تواجدها البحري في شرق المتوسط لأنّ ذلك أسهل لها من محاولة التنافس مع الولايات المتحدة على محيطات العالم، وفقاً لتحليل خبير الشؤون العسكرية الروسية ديميتري غورنبرغ من مركز George C. Marshall European Center for Security Studies للدراسات الأمنية، وتناوله تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
إذ كتب غورنبرغ: “إن الحفاظ على وجودٍ بحري في منطقة البحر المتوسط يُعد استراتيجيةً أكثر فاعلية للبحرية الروسية من السعي لامتلاك أسطولٍ نشط حول محيطات العالم. وهذا لأن روسيا لا تمتلك الموارد أو الطموحات العالمية لتحدي هيمنة البحرية الأميركية على العالم. لذا فإنّ تركيز موسكو على تطوير وتعزيز سرب البحر المتوسط يُعتبر هدفاً محدوداً أكثر قابلية للتحقيق؛ لدرجة أنّه يتماشى تماماً مع أهداف السياسة الخارجية الروسية في المنطقة”.
ميناء طرطوس السوري
وقد أُعيد إحياء سرب المتوسط عام 2013- بعد حلّه عام 1992- ليتألّف قوامه الأساسي من سفن أسطول البحر الأسود، كما جرى تسليحه أيضاً بالعديد من الغواصات والسفن الحربية الحديثة. وفي الوقت ذاته عاد ميناء طرطوس السوري ليكون قاعدة روسيا لخدمة السفن الحربية، وحتى الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
وأردف غورنبرغ: “منذ إضافة ست غواصات من طراز فارشافيانكا إلى أسطول البحر الأسود عام 2017، وضعت روسيا اثنتين منهما في طرطوس بسوريا. كما شاركت سفن وغواصات الأساطيل الروسية الأخرى، خاصةً أساطيل الشمال وبحر البلطيق، في عمليات السرب عدة مرات. وشاركت القوات بفاعلية أيضاً في العمليات العسكرية الروسية داخل سوريا. وبالإضافة إلى توصيل الجنود، قامت سفن أسطول البحر الأسود بإطلاق صواريخ كاليبر على الأهداف الأرضية في كافة أنحاء سوريا. وكذلك تعقبت السفن الروسية نظيرتها الأمريكية في شرق المتوسط، كما رصدت الغواصات الروسية المنتشرة في المتوسط منصات الولايات المتحدة وحلف الناتو المتواجدة هناك أيضاً. كما سهّل السرب الجهود الدبلوماسية البحرية الروسية، حين جرى استدعاء السرب في موانئ قبرص ومصر ومالطا”.
روسيا تعزز مكانتها في واحدة من أكثر المناطق استراتيجية في العالم
علاوةً على ذلك، تعمل الطائرات الروسية من الموانئ السورية حالياً، إلى جانب العديد من أنظمة الدفاع الصاروخي التي تشمل إس-400 وإس-300 وصواريخ بانتسير قصيرة المدى المضادة للطائرات، فضلاً عن صواريخ ك-300 باستيون وخ-35 للدفاع الساحلي المضاد للسفن. ووجود قوةٍ دائمة في المتوسط يُعزز مكانة روسيا في المنطقة، ويردع العمليات العسكرية الغربية داخلها، ويوفر الحماية ضد استغلال المتوسط كقاعدةٍ تستخدمها القوات المعادية لضرب روسيا الأم.
ويرى غورنبرغ أنّ موسكو تتجنّب نموذج إسقاط القوة الخاص بالبحرية الأميركية عن طريق حاملات الطائرات الضخمة، مفضلةً الاعتماد على قوات أكثر دفاعية تمتلك أسلحة تمنع الوصول إلى المنطقة مثل طرادات كورفيت المحملة بالصواريخ الصغيرة. “وتكمن الفكرة في أنّ البحرية الروسية يمكنها استخدام تلك السفن لإنشاء مناطق بحرية يصعب على قوات العدو اختراقها. وتشكل هذه الفقاعة في البحر الأسود وشرق المتوسط مجموعةً دفاعية متعددة الطبقات بأصولٍ هجومية متنوعة، تشمل مزيجاً من الصواريخ البحرية والجوية والأرضية طويلة المدى التي تُستخدم لمنع الوصول، إلى جانب الأنظمة الدفاعية الساحلية ذات المدى الأقصر لحماية المناطق”.
وستواصل الطرادات والمدمرات القديمة من عصر الاتحاد السوفييتي زيارة الموانئ من أجل السمعة فقط، لكن السفن الصغيرة وصواريخها سوف تشكل القوام الأساسي للبحرية الروسية في المتوسط والبحار الأخرى. ويتوقع غورنبرغ أن يتألّف سرب المتوسط من 10 إلى 15 سفينة حربية، إلى جانب عددٍ من الغواصات.
روسيا في شرق المتوسط.. تهديد دائم للناتو ومصالح واشنطن
ومع ذلك تُواجه روسيا العديد من التحديات في الحفاظ على وجود بحري فعال داخل المتوسط بحسب غورنبرغ. إذ يُعاني الاقتصاد الروسي، كما أصابت لعنة التأخيرات أحواض بناء السفن في البلاد، فضلاً عن أنّ إرسال الإمدادات إلى قوات المتوسط عبر مضيق البوسفور في وقت الحرب قد يمثل مشكلة.
يختتم غورنبرغ تقريره بالقول: “نظراً لهذه التحديات، وقبل اندلاع أي مواجهة في شرق المتوسط، سيتعيّن على القيادة الروسية الاختيار بين المواجهة في المتوسط وبين محاولة سحب القوات إلى البحر الأسود للدفاع عن حدود روسيا الجنوبية. وفي حال بقاء القوات الروسية في المتوسط، فسوف تمثل تهديداً داهماً على قوات الولايات المتحدة والناتو بخلق بيئةٍ صاروخية مواتية للحرب الإلكترونية بكثافةٍ متزايدة في شرق المتوسط. ويجب أن تتوقع روسيا خسارة هذه القوات لصالح قوات معادية أقوى تفوقها كماً وكيفاً، ولكن بعد أن تُكبّد تلك القوات المعادية الكثير من الخسائر”.
Views: 3