اضطررت قبل فترة وجيزة لإجراء عملية مصرفية. اعتقدت واهماً أن إنجازها لن يستغرق أكثر من نصف ساعة، فوجدت نفسي أقضي ساعتين ونصف الساعة في أحد فروع مصرف حكومي مزدحم بطريقة مخيفة..!
هنا تفرض علي الموضوعية، وقبل الغوض في تفاصيل الفكرة التي أود تناولها، القول: إن الموظفين في ذلك الفرع كانوا في معظمهم متعاونين رغم عدد المراجعين الكبير، ومحدودية الإمكانيات، وضيق المكان الذي ربما يصلح للإدارة، وليس لاستقبال زبائن ومراجعين.. لكن المشكلة ليست دوماً في نية الكادر وابتسامته فقط!
عندما أنهيت معاملتي سألت نفسي: كيف يمكن لمثل هذه البنية المصرفية الضعيفة بشرياً، فنياً، وتقنياً أن تتحمل زيادة عدد العمليات المصرفية يومياَ، سواء المتأتية بفعل حصر تسجيل عمليات بيع العقارات والسيارات بوجود إشعارات مصرفية، أو توسيع عمليات الدفع الالكتروني؟
لنتفق بداية على أن هناك خطوات لابد منها في المرحلة القادمة لتطوير أداء ومستوى الخدمات العامة ومعالجة حالة الفوضى التي قضت على الكثير من ثروات البلاد ومواردها، إنما في المقابل هذه الخطوات تحتاج قبل المباشرة بتنفيذها إلى عملية تهيئة واسعة للمؤسسات المعنية بغية ضمان نجاح تلك الخطوات.. هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن كسب دعم المواطن لا يمكن أن يحدث مالم يشعر بانعكاس أهمية ذلك على حياته، وإلا فإن المواطن سيكون في موقف “المعارض” و”المشكك” بأي خطوة أو مشروع جديد..
لذلك فالأولوية اليوم هي لمعالجة نقاط ضعف المصارف وتأمين مستلزماتها الفنية والتكنولوجية، إذ لا يمكن أن نتحدث عن إشاعة مشروع الدفع الالكتروني بين الناس، ومن ثم توسيع عمليات البيع والشراء والتحويلات الداخلية لتكون عبر الأقنية المصرفية، وهناك مصارف حكومية لا تتيح خدمة التحويل بين بعضها البعض كما حدث معي شخصياً، أو تعجز عن فتح حسابات مصرفية لأي مواطن، أو أن تجهيزاتها الفنية قديمة وتعود لسنوات ما قبل الحرب، أومع استمرار تدني خدمة شبكة الانترنت في البلد، أو….الخ
لا أنكر وجود جهود حقيقية من بعض إدارات المصارف وعامليها خلال الفترة الماضية، إنما هناك واقع يجب أن نعترف بسلبياته ونقاط ضعفه قبل الدخول في مشروعات كبيرة، فمعظم المصارف العامة تعاني من فقدان الخبرة التراكمية بدليل اللجوء دوماً إلى الجامعات لتعيين إدارات لتلك المصارف، إضافة إلى وجود ضعف في أداء العاملين… فكيف الحال مع انعكاس التضخم على المعاملات المصرفية لجهة حجم المبالغ المراد تحويلها أو إيداعها أو سحبها، والأهم تكليف المصارف بخدمات ليس من صميم عملها كالرسوم الجامعية ومعاملات التجنيد والسفر وغيرها!
أعلم أن هناك مشروع لإعادة هيكلة المصارف العامة ومنحها المرونة التي تحتاجها كما تشيع الحكومة… إنما كم هي الفترة الزمنية التي تحتاجها المصارف العامة لتكون جاهزة لتقديم الخدمة بشكلها الأمثل؟ وهل إرهاق هذه المصارف حالياً بالمزيد من الخدمات والمهام يتيح لها أن تعمل على عدة جبهات في آن معاً؟
كل ما أخافه أن تنتقل طوابير المواطنين التي نراها حالياً أمام المؤسسات الخدمية إلى المصارف العامة وفروعها، وبهذا نكون قد عالجنا مشكلة.. وأوجدنا مشكلة أخرى وربما أكثر.
Views: 9