لا يزال التعميم 158 الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تاريخ 8/6/2021، موضع أخذ وردّ بين مصرف لبنان وجمعية المصارف التي لا يزال لديها تساؤلات واستفسارات حيال طريقة تنفيذه، إذ يُتوقع ان يصدر “المركزي” بعض التوضيحات عن كيفية الافادة منه، فيما التواصل بين الجانبين يمكن ان يفضي الى إمكان تعديل بعض بنوده وخصوصا حيال السماح للمستفيدين منه بمواصلة الافادة من التعميم 151، أي السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة، اضافة الى الـ1000 دولار المسموح بها شهرياً.
صحيح أن التعميم 158 طمأن نحو 800 ألف مودع من المستحقين إلى ان ودائعهم ستصل اليهم في مدة أقصاها 5 سنوات، بيد ان اللافت أنه يستثني الحسابات المكوّنة بعد 31/10/2019، وتلك التي حُوّلت من الليرة إلى العملات الأجنبية، علماً أن الحسابات التي تفوق أرصدتها الـ50 ألف دولار، يطاولها التعميم مثلها مثل تلك التي هي دون الـ50 ألف دولار.
التعميم المشار اليه آنفاً يحدد المستفيدين من التسديد التدريجي للودائع بأصحاب الحسابات المكوّنة قبل 31/ 10/ 2019، والموقوفة في تاريخ 31/3/2021، ويستثني الحسابات المحوّلة إلى العملات الأجنبية بعد 31/10/2019، وفي حال أراد صاحب الحساب الذي يحق له الافادة من هذا التعميم، عليه أن يطلب من المصرف المعني أن يفتح حساباً خاصاً متفرعاً، يحوّل إليه مبلغاً يوازي 50 ألف دولار، وفقاً للمبالغ المتوافرة لديه بالدولار الأميركي أو بعملات أخرى.
وفي انتظار توضيحات أكثر من مصرف لبنان، يؤكد أكثر من مصدر قانوني عدم دستورية التعميم، خصوصا حيال مخالفته المادة السابعة منه التي تنص على “ان كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الفرائض والواجبات من دون فرق بينهم”، وتاليا يجب الطعن به، وهو ما يدعو اليه الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية المحامي الدكتور علي زبيب عبر “النهار”. ويبدو أن هذا الامر قد وُضع على السكة مع توجه بعض المودِعين إلى الطعن لدى مجلس شورى الدولة، على اعتبار أن الوديعة لا تُجزأ، فيما التعميم جزّأها قبل الثورة وبعدها، وتالياً فإنهم حُرموا إياها.
ويأتي التعميم من ضمن سلسلة أصدرها “المركزي” من تاريخ الحراك الشعبي، والتي “أتت بمعظمها مخالفة لقانون النقد والتسليف وغيرها من القوانين بما فيها قانون العقوبات وقانون التجارة وقانون الموجبات والعقود”، وفق ما يقول زبيب الذي يضيف أن “التعميم 158 كما التعميم 856 والتعميم 154 مخالف للدستور اللبناني وخصوصا للمادة 7، لأنه بكل بساطة يفرّق بين المواطنين اللبنانيين في ودائعهم”، علماً أن هرمية النصوص القانونية في لبنان تعتمد مبدأ سموّ الدستور، أي لا نص يعلو فوق النص الدستوري… ومن هنا لا يُعدّ التعميم بأي حال من الاحوال متفوقاً على القوانين أو على الدستور.
وبعيداً من “المخالفة الدستورية والاستنسابية في التعامل مع المودع، وسياسة الاقتصاص منه”، يسأل زبيب: “مَن أعطى الحق لمصرف لبنان بتقنين الاموال الجديدة والقديمة وقوننتها، واحتساب الحسابات المفتوحة قبل 31/10/2019 على اساس الارصدة الموقوفة بتاريخ 31/3/2021؟”، معتبرا أن مصرف لبنان “يحاول قوننة اعمال المصارف غير القانونية التي ارتكبتها من تاريخ اندلاع الازمة عبر حبس الودائع وتهريب أموال اصحاب المصارف والسياسيين وكبار المساهمين في مقابل حرمان المودعين العاديين الحدود الدنيا للتحويلات الضرورية للصحة والتعليم بطريقة ممنهجة من دون حسيب أو رقيب، ومن دون تدخّل لجنة الرقابة على المصارف وحاكم المركزي بتفعيل المادة 8 من قانون النقد والتسليف، التي تبدأ بالتنبيه وتنتهي بشطب المصرف المخالف”. ولا ينسى زبيب “تقاعس هيئة التحقيق الخاصة التي لم تحرك ساكناً في كل هذه الفترة، ولم تسمِّ أيّ تحويل مشتبه فيه او تجري اي تحقيق في ظل وضع خطير جدا تعيشه البلاد”.
الى ذلك، تؤكد مصادر قانونية ان مضمون التعميم “غير قانوني ويتناقض بشكل كلي مع عدد من المبادئ ذات القيمة الدستورية واهمها مبدأ المساواة، وهو يمثل في أبعاده تعدياً على سلطة مجلس النواب لانه لا يحق للمصرف المركزي ان يصدر نصوصا ذات قيمة تشريعية ومعدلة للنصوص القائمة”، موضحة ان “المصرف التجاري حين يقوم بعملية تحويل فإنه يحقق ربحاً في كل عملية لانه اشترى عملة وباع اخرى، وتاليا هذا امر جوهري”.
ولكن هل يتساوى الذي يملك مليون دولار مع الذي يملك 10 آلاف دولار؟ تشير المصادر الى أن “الموضوع أبعد من ذلك، فهو يخفي في طياته ما هو اسوأ بكثير لان صاحب الحساب المفتوح بـ 10 آلاف دولار اصبح يموّل صاحب الحساب الاعلى، على اعتبار أن قيمة الـ 10 آلاف دولار ستُسدد حقيقة وواقعاً بنصف قيمتها، هذا اذا جرى تسديد الدولار بعملته. وتاليا حينما يتخلص المصرف من اصحاب الحسابات الاقل من 50 ألف دولار يكون قد سدد واقعاً نصف قيمتها، وحقق ربحاً طائلاً وغير مشروع ليبقى صاحب الحساب الاعلى في مأمن”.
وتلفت الى أن “خطورة التعميم تكمن أيضا في مكان آخر، وهي أثره الكارثي على ارتفاع سعر الصرف، إذ ان البيان الصحافي الصادر عن “المركزي” والذي سبق اصدار التعميم، أشار الى حجم الكتلة النقدية التي سيتم طرحها لتغذية التسديد البدلي والتي ستُحسب على اساس سعر صرف 12 ألف ليرة تمثل نصف القيمة المفترضة من الـ 800 دولار كونها مقسمة 400 دولار بشكل نقدي و400 دولار بالشكل البدلي، وتاليا فان حجم طباعة النقد ومقارنته بحجم الكتلة النقدية التي كانت منذ العام 1990 وحتى قبل الازمة المفتعلة، يؤول الى القول ان التضخم سيصل الى مستوى كبير جدا، وهذا الامر يجب ألّا يكون خافياً على المركزي”. فيما تشير توقعات أخرى الى أن هذا القرار “سيزيد حجم الكتلة النقدية المتداولة خارج مصرف لبنان بنسبة 69%، بما سيؤدي الى تضخم مفرط في المستقبل القريب، في ظل غياب اي خطط تعيد الانتظام إلى القطاع المصرفي والاقتصاد الكلي”.
ووفق المصادر فإن “هذا الفارق سيشكل وسيلة لتمويل المصارف مجددا، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار ارتفاع سعر الصرف في السوق الحرة من ناحية، واستقرار سعر الـ 12 ألف ليرة لدى المصارف من ناحية اخرى. وهذا الفارق سيشكل فرصة مهمة للمصارف لتعاود بيعه على اساس اسعار مرتفعة جدا في السوق السوداء، بما يتيح لها اعادة تمويل رأس مالها من جهة، في مقابل الارتفاع العمودي في السوق السوداء”.
وتكمن خطورة التعميم أيضا، استناداً الى المصادر عينها، في أنه “بمجرد استجابة المودع للتعميم وطلب الافادة من أحكامه سيتم ايداع مبلغ من الدولارات يصل الى حد الـ 50 ألف دولار في حساب فرعي، ويتم فورا تقسيمه بين حدّين: 25 ألف دولار، والنصف الثاني على اساس سعر الصرف البدلي، فيما نصف قيمة الحساب الذي اصبح بالليرة سيكون محجوزا لدى المصرف ولا يسلّمه نقداً الى المودع”. وفق حجة المصارف فإن هذا الإجراء هو لعدم ضخ نقد في السوق للمحافظة على عدم ارتفاع سعر الصرف … اما الحقيقة برأي المصادر فهي “لعدم تمكين المودع من صرف هذه القيمة في السوق الموازية ومنعه من أن يصبح مضاربا على المصرف عينه في السوق السوداء، علماً ان هذه الليرات ستتآكل قيمتها تباعا وسيخسرها المودع”.
بموجب التعميم 158، فإنه يتم سحب 800 دولار أميركي شهرياً من المبلغ المحوَّل من الحساب الجاري المتفرّع، يُدفع منها 400 دولار نقداً BANK NOTE، وكذلك ما يوازي 400 دولار بالليرة اللبنانية على أساس السعر المحدد على المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة SAYRAFA، يدفع منها 50% نقداً و50% بواسطة البطاقات المصرفية، على ألّا يتجاوز مجموع ما يمكن سحبه من الحساب الخاص المتفرع بالعملتين سنويا ما يساوي 9600 دولار. وهذا الامر وفق زبيب سيؤدي الى قيام المودع بسحب الـ 400 دولار ووضعها جانبا، أما تلك التي على سعر المنصة فسيقوم بشراء الدولار بها فورا. ويتحدث زبيب هنا عما لا يقل عن 850 الف حساب، أي ما لا يقل عن 650 ألف مودع، و”تاليا سيكون هناك طلب عالٍ جدا على الدولار بما سيؤدي الى ارتفاع جنوني للدولار، وسيتأكد ذلك عند اول تطبيق للتعميم بحيث من المتوقع أن يصل الدولار الى ضعفَي قيمته الحالية أمام الليرة اللبنانية، ما سيفضي الى زعزعة وعدم استقرار اضافيين في الوضع النقدي والمالي والاقتصادي، وتسريع لعملية الانهيار”.
Views: 2