يقال ان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ناشد مجلس الأمن الدولي أمس الاربعاء تجديد عملية تقديم ما تسمى بـ”المساعدات” عبر الحدود إلى سوريا لعام آخر، محذرا من أن إخفاق المجلس في ذلك “ستكون له عواقب مدمرة”، حسب وصفه.
غوتيريش خاطب بذلك المجلس المكون من 15 عضوا قبل مواجهة محتملة الشهر القادم بين الدول الغربية في المجلس من جانب وروسيا والصين من جانب آخر بشأن تجديد التفويض لعملية طويلة الأمد لتقديم المساعدات “المسيسة” المشار اليها.
كان مجلس الامن الدولي قد منح تفويضا في بادئ الامر لعمليات المساعدة عبر الحدود في سوريا عام 2014 من خلال 4 منافذ. وفي العام الماضي 2020 قلصت هذه المعابر إلى معبر واحد فقط عبر تركيا يؤدي إلى منطقة تسيطر عليها الميليشيات المسلحة في شمال غرب سوريا، بسبب معارضة روسيا والصين تجديد التفويض عبر المنافذ الأربعة، وشككت روسيا، التي تملك حق النقض (الفيتو) بالمجلس في أهمية تقديم المساعدات عبر الحدود، موضحة بان المساعدات يمكن لها أن تصل إلى شمال سوريا عن طريق العاصمة السورية دمشق.
مساعدات متحيزة تنتهك السيادة السورية
السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا ذهب الى ابعد من ذلك في تبيانه للمجلس إن عملية المساعدات تنتهك سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وإن روسيا وافقت فقط على العملية في 2014 لأن سوريا كانت “ممزقة بسبب الإرهابيين”، وانه بعد تحرير معظم أراضي سوريا الآن، فإن عملية المساعدات لم تعد مناسبة للوقت الحاضر.
من جهتها رفضت سوريا وعلى لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، عملية المساعدات عبر الحدود ووصفها بأنها مسيسة، وقال إنها “كانت إجراء استثنائيا مؤقتا لم تعد الأسباب والظروف التي دفعت إلى تبنيها قائمة”.
اين موقع اوروبا من الاعراب في سوريا؟
لا تخفى الاهمية القصوى لسوريا في جدولة أعمال السياسة الخارجية التي ينتهجها الاتحاد الاوروبي وعموم الاسرة الدولية، خصوصا بعد ان وجدت الدول الاوروبية نفسها في منأى عن المضامين الحيوية للملف السوري بعد ارتمائها في احضان السياسة الاميركية التي تراعي في الدرجة الاولى مصلحة الكيان الاسرائيلي وتعمد ابقاء سوريا دولة ضعيفة مدمرة لتأمين القوة وضمان امن الكيان الاسرائيلي.
الى ذلك يقول الكاتب “نامان كارل توماس هابتوم” في مقال نشره موقع “ناشيونال انترست”، أن غياب السفارات الأوروبية في دمشق في وقت تتسابق فيه دول اخرى على إعادة فتح سفاراتها هناك، مسميا دولا مثل الامارات والكويت والبحرين، مشيرا الى ان بُعد الدول الأوروبية عن سوريا لذرائع واعتبارات سياسية يحرمها من فرص كبيرة.
اوروبا والمحك الاميركي
الاعتبارات السياسية الاوروبية مرهونة بمدى رضا اميركا والكيان الاسرائيلي الذي لا يضمن اي مصلحة لاوروبيا في سوريا ولا في لبنان ولا في عموم منطقة شرقي المتوسط، فيما تشكل سوريا فرصة للمسعى الدولي الذي قد يجمع مختلف الدول التي دعمت الجماعات الارهابية المسلحة بشكل او بآخر مراعاة للهيمنة الاميركية التي لا ترى سوى المصلحة الاسرائيلية كأولوية في حساباتها الأمنية، فوجود السفارات الاوروبية وسفرائها على الأرض السورية يمكن ان يشكل فارقا كبيرا في ملفات عدة، مثل عودة اللاجئين وحملات التلقيح وضمان استقرار لبنان ومحاربة الإرهاب “حسبما يرى هابتوم الذي يتولى منصب نائب رئيس منتدى الشرق الأوسط وشمال افريقيا في جامعة كامبريدج، في مقاله”.
الكاتب “هابتوم” ألمح أيضا الى ان العديد من الأطراف الأوروبية ترغب في إعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، لافتا إلى تعيين اليونان موفدا خاصا لملف سوريا في شهر أيار/مايو عام ٢٠٢٠، وقيام قبرص باستئجار عقار من أجل تحويله إلى سفارة جديدة لها في دمشق”.
لا بد من تحدي الرؤية الاميركية
شدد المقال ايضا على أن الحكومات الأوروبية ستضطر إلى مواجهة انتقادات من واشنطن إذا ما قامت بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، مشيرا إلى أن تحمل الانتقادات لبضعة أيام هو أفضل من تكرار الفشل الدموي، وتقليص النفوذ والمعلومات الاستخباراتية وصولا إلى التهميش “حسب رأيه”.
ورأى ان إعادة فتح السفارات يجب ان لا يكون هدفا بحد ذاته، بل خطوة أولى نحو المساهمة في انماء سوريا بعد الازمة، وأن ذلك يعد في غاية الأهمية ليس فقط للمواطنين السوريين المتضررين بل ايضا للشرق الأوسط وأوروبا، “حسب تعبيره”، حيث تشكل سوريا ساحة اختبار هامة لنوع جديد من إعادة الاعمار، موضحا ان أي دولة لا تستطيع وحدها تحمل تكلفة هذه المهمة، وبالتالي فإن سوريا تشكل فرصة للمسعى الدولي الذي قد يجمع مختلف الدول التي دعمت الجماعات “المسلحة”.
عود على بدء
ما تطمح اليه الهيئة الاممية وكما جاء على لسان “غيتيريش”، هو رهان فاشل على نفس الحصان الاميركي المتعثر بالسعي لديمومة الواجهات الارهابية المسلحة وامدادها بالمساعدات الدولية التي تزيد الازمة السورية تعقيدا وفشلا واحباطا دمويا لنفع الاحتلال الاميركي في سوريا والاحتلال الاسرائيلي في فلسطين.
وفي انتقاد موجه إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، ألقت روسيا والصين باللوم على العقوبات الأحادية في جزء من المحنة السورية، وذلك ما أكده المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ بقوله ان تحسين الوضع الإنساني في سوريا يتطلب الرفع الفوري للإجراءات القسرية الأحادية المفروضة عليها.
وبين الانتقاد الروسي الصيني وبين مساعي الولايات المتحدة والهيئة الاممية ومن تبعهما، يبقى الحل الوحيد للأزمة في سوريا متجوهرا في دعم جهود مؤسسات الدولة للتخفيف من المعاناة وتوفير الدعم والخدمات للسوريين بما في ذلك من خلال دعم أهداف التنمية وإعادة تأهيل البنى المتضررة لتيسير العودة الآمنة والكريمة والطوعية للنازحين واللاجئين ودعم جهودها في مكافحة الإرهاب والقضاء على التهديد الذي تمثله جماعات “داعش” الوهابية وتنظيم ”جبهة النصرة” الإرهابيين والكيانات المرتبطة بهما ووجوب إنهاء الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي على الأراضي السورية
Views: 4