ما يعبّر عنه الرئيس التركي وحكومته في المطالبة بأراضٍ في سوريا والعراق بذريعة "مكافحة الإرهاب"،
يستند في خلفياته إلى ما يسمى في تركيا "ميثاق ملّي" الذي أقرّه "مجلس مبعوثان عثماني" (شبه برلمان) العام 1920 قبل التراجع عنه في معاهدة لوزان العام 1923، وهي التي نشأت بموجبها الجمهورية التركية. لكن عودة تركيا إلى ما قبل جمهوريتها واستقلال الدول العربية، تضرب الاعتراف الدولي والعربي بحدودها وتفتح إمكانية المطالبة السورية بأراضٍ ضمّتها لوزان إلى تركيا.
تركيا تستقدم تعزيزات عسكرية للتوسع في سوريا
ما تثيره الحكومة التركية من ذرائع تسميها "مكافحة الإرهاب"، هو من باب لزوم ما يلزم للتورية عن أطماع يصعب عليها المجاهرة بها لما تثيره من أطماع فجّة وتضع موضع التشكيك التركي بالمعاهدات التي أقرّت حدود الجمهورية التركية بدءاً باتفاقية الاستسلام في الحرب العالمية الأولى.
ما نطق به مؤخراً وزير الداخلية التركي سليمان صويلي أثناء تفقده أحد المخيمات السورية في تركيا، أشار إلى أن اللاجئين "هم من مناطق ميثاق ملّي". وهذه الإشارة كان قد ألمح إليها الوزير في دعوته الى تجنيس الأطفال السوريين. فهي في سياق حملة يتناولها بشكل دائم مؤرخون قوميون وسياسيون ومحللون يدعون إلى العودة إلى "ميثاق ملّي" (الميثاق الوطني) وفق ما أعلنه الرئيس التركي في "مؤتمر القانون الدولي" المنعقد في أنقرة بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر عام 2016 لتبرير رفضه الانسحاب من بعشيقة العراقية. وقد كرر التعبير نفسه في العام التالي أمام المخاتير الأتراك طالباً مراجعة معاهدة لوزان.
إردوغان أفصح في حديثه عن القانون الدولي أن "مشكلات تركيا على حدودها في الجنوب الشرقي ناجمة عن تنازلها عن ميثاق ميللي"، فيضع إصبعه على الجرح في نقضه معاهدة لوزان "التي قبلتها تركيا مجبرة" بحسب تعبيره، ممهّداً بذلك الطريق للمجاهرة بالعمل لتجاوز المعاهدة والعودة عن الاعتراف بالحدود السورية على وجه الخصوص في العام 2023 بمناسبة مرور مائة عام هي مدّة المعاهدة الزمنية.
الحلم التركي بالعودة إلى "ميثاق ملّي" يلقى صدىً واسعاً بين أنصار حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية التي شاركت ميليشيات منها في الحرب على سوريا الشمالية. لكن أكثرها تشدداً بعقيدة الميثاق بين "العثمانيين الجدد" هي مجموعة الذئاب الرمادية التي قاد زعيمها "ألب أرسلان جيلك" الحرب التركية في جبل التركمان بمحافظة اللاذقية.
وما يجمع بينها هو العمل على نقض معاهدة لوزان في الجانب المتعلّق بالأراضي السورية والعراقية، بينما تكتفي في جوانب المعاهدة الأخرى المتعلّقة باليونان وقبرص والقرم والسعودية ومصر… إلخ بالتعبير عن الحنين من دون خطوات ملموسة كالتي تعمل عليها الاستخبارات التركية لتجميع وسرقة وثائق الملكيات التركية السابقة في الموصل وكركوك البالغة 100 ألف وثيقة في مديرية "الطابو" التركية.
اللافت المريب أن "ميثاق ميلّي" نقضته تركيا نفسها في معاهدة الاستسلام إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وفي توقيعها معاهدة " سيفر" عام 1920 في حين أن معاهدة لوزان عام 1923 التي تحاول الحكومة التركية الانقلاب عليها، هي التي نقضت معاهدة "سيفر" عام 1920 لمصلحة تركيا التي غنمت وفق لوزان أراضٍ سورية تبلغ مساحتها حوالي 18 ألف كلم2 لقاء الاعتراف التركي بمعاهدة سايكس ــ بيكو، وتعبيراً عن دعم بريطانيا وفرنسا لجمهورية كمال أتاتورك الناشئة بنظامها الجمهوري وحدود دولتها استناداً إلى مساومات اعتراف أتاتورك بمعاهدة لوزان فيما يتعلق بحدود الدول العربية وفيما يتعلق بحدود تركيا و حدود الدول الأخرى التي كانت تضمها الإمبراطورية العثمانية قبل انهيارها.
خريطة "ميثاق ملّي" كما تنشرها "العثمانية الجديدة"، تقتطع ثلث مساحة سوريا في الحسكة والرقة وحلب وإدلب وتقتطع من العراق كركوك والموصل وإقليم كردستان وهو ما نقضه أتاتورك في موافقته على معاهدة لوزان بكل جوانبها العربية وغير العربية.
وفي خلال فترة حكمه بين 1923 و1938 منحته بريطانيا في العام 1926 باتفاقية أنقرة 10% من نفط الموصل ووافقت بحسب تركيا أثناء المباحثات من دون تثبيت في معاهدة جديدة، على حق التدخل التركي في العراق لحماية التركمان إذا تعرّضوا لمذبحة عرقية. وربما تطرّقت المباحثات التركية مع بريطانيا وفرنسا إلى السماح بتدخل تركي في سوريا إذا تعرّضت سوريا إلى تفتيت عرقي وحروب تهدّد وحدة الأراضي التركية، لكن ما تزعمه الحكومة التركية عن حق التدخل في سوريا بسبب التفتيت العرقي لم يكن على بساط البحث في اتفاقية لوزان بيد أنه يكشف ما وراء إدعاء حكومة إردوغان بأن سوريا عُرضة للتقسيم والتفتيت العرقي.
في سوريا حظي أتاتورك وفق معاهدة لوزان بتوسيع الحدود التركية من جنوبي بانياس حتى محطة الراعي ومنها إلى نصيبين على طول خط سكة قطار الشرق السريع بضم قسم من أراضي الجزيرة الفراتية ومن نصبين إلى جزيرة عمر وماردين وطور عبدين.. وتوّجت فرنسا هداياها لأتاتورك بلواء الاسكندرون عام 1938.
الطموحات التركية في أحلام العثمانية الجديدة لنقض معاهدة لوزان، هي سيف ذو حدّين يتيح مطالبة سوريا باستعادة أراضيها التي ضمّتها تركيا إلى حدود الجمهورية التركية بمساومة مع بريطانيا وفرنسا. فحين ترفض تركيا خريطة حدودها، الحري بسوريا رفضها الاعتراف بهذه الحدود في سبيل استعادة أراضيها.
المصدر : الميادين نت
Views: 4