– خلال أسبوع سمعنا خطابين تاريخيين للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني جينغ شي بينغ، والخطابان يتكاملان في إعلان صلابة الثبات بوجه السياسات الأميركية، تظللهما سنوات من التقدّم في جغرافيا آسيا اقتصادياً عبر خريطة الحزام والطريق، وعسكرياً عبر شبكة أس أس 400، وتتوسطهما شريكتهما إيران وهي تقود شبكة حركات المقاومة ومحورها في المنطقة، ويصير خطاب ولّى زمن التنمّر، مكملاً لخطاب ولى زمن التهميش، ومعها خطاب ولّى زمن التهديد، الذي ترجمته حركات المقاومة بخطاب ولّى زمن الهزائم، ويقابل كل ذلك خطاب أطلقه الرئيس الأميركي من اجتماع حلف الأطلسي تحت عنوان أميركا عادت، فهل عادت أميركا؟
– يستغرق كثيرون، بعض نيات طيبة وعدم انتباه وبعض بتنفيذ تعليمات، في ترويج نظرية التفرغ الأميركي للمواجهة مع الصين، بإيحاء أن كل ما يجري يجد تفسيره في معرفة ما تريده أميركا، وهو إيحاء مخادع للعقل، حيث أميركا متفرّغة لمواجهة ثلاثي روسيا والصين وإيران خلال عقد طويل شهد الحروب والعقوبات والتفاوض ومحاولات الإغراء والاستفراد، وانتهى بالفشل الأميركي، لأن روسيا والصين وإيران مثلث قوة آسيا وصعودها، نماذج لدول الاستقلال الوطني ومفهوم خصوصية الدولة الوطنية في قلب العولمة، في مواجهة نموذج العولمة المتوحشة، ونهاية التاريخ عند النموذج الأميركي وتعميمه. وما يجمع بكين وموسكو وطهران هو قرار بإخراج أميركا من آسيا بصفتها قوة أجنبيّة، وإعادة صياغة العلاقات الآسيوية الغربية على أسس المصالح واحترام حقوق السيادة، وإلغاء كل وجود عسكري أجنبي، والتصدي لكل محاولات للهيمنة السياسية والاقتصادية، انطلاقاً من أن الدول المعنية هي دول آسيوية فاعلة تمثل أكثر من نصف مساحة آسيا وعدد سكانها وحجمها الاقتصاديّ وقوتها العسكرية.
– عودة أميركا تعني إما تقدماً في مشروع الهيمنة يحتاج استثمار فائض قوة عسكرية، لا تملكه أميركا، ويعترف بايدن أنه لا يملك القدرة على التفكير بجعله مشروعاً لولايته، مكثراً من الحديث عن الدبلوماسية كبديل، وإلا فالبديل هو التراجع عن مشروع الهيمنة والتصالح مع الشعوب والاعتراف بحقوقها، وهذا يحتاج إلى فائض قوة أخلاقيّ يبدو واضحاً أن بايدن لا يملكه ولا يتجرأ على التصريح به كخيار، فهو يعد بإنقاذ مشروع الهيمنة، تحت شعار الدبلوماسية والاستعانة بالحلفاء، فهل حملت لقاءات السبعة الكبار خطة قادرة على منافسة الصين، وقد خرجت بمناشدة الصين إعادة النظر بتوسيع استثماراتها في البنى التحتيّة لدول آسيا، وبعدم مواصلة بيع منتجاتها بأسعار لا يملك الغرب قدرة منافستها. وهل خرج مؤتمر حلف الأطلسي بخطة للتفوق العسكري على تصاعد القوة الروسية، وكانت آخر منتجاتها هي الرهان على نجاح الرئيس التركي بإقناع الرئيس الروسي بتغطية نشر قوات تركية في أفغانستان وأذربيجان، قبل أن يصل الجواب الروسي الحازم والقاطع بالرفض؟
– تقدم أفغانستان صورة واضحة عن المشهد الدولي الجديد، أو على الأقل مشهد آسيا الجديد، حيث كانت الحرب الأميركية على أفغانستان قبل عشرين عاماً تماماً، وخلال هذين العقدين قال الأميركيون إنهم رعوا قيام بناء دولة جديدة في أفغانستان، وهم اليوم يعلنون الانسحاب ويتهيأون للاحتفال بذكرى الحرب وقد خرجت قواتهم، التي قالوا إن بعضاً منها سيبقى لحراسة المنشآت والعناصر الدبلوماسية، بينما كل شيء يقول في أفغانستان إن الجيش المحلي الذي رعاه الأميركيون ينهار ويتفكك على إيقاع الانسحاب، وإن الآلاف منه هربوا الى باكستان، وتبدو العاصمة كابول مرشحة للسقوط سريعاً، ومعها لن يكون متاحاً للأميركيين حتى الحفاظ على القوة التي قرروا الحفاظ عليها في كابول، بما يستعيد للذاكرة مشهد مغادرتهم لفييتنام، فماذا يستطيعون القول إنهم حققوه خلال عشرين عاماً كلفت تريليونات الدولارات وآلاف الجنود القتلى؟
– منذ انتصار سورية وحلفائها في معركة حلب، وآسيا دخلت مرحلة التحرّر من مشروع الهيمنة الأميركية، واليمن مثال صارخ على حال الحليف المالي الأول للأميركي في المنطقة، وفلسطين مثال على حال الحليف العسكري للأميركي في المنطقة، وما يجري في أفغانستان مثال على ما سيجري في كل ساحات آسيا، حيث الاحتلال الأميركي.
Views: 1