حتى الآن لا يمكن اعتبار ان تعميم مصرف لبنان الذي عُرف بالتعميم 158 حول أموال المودعين في المصارف، قد تم البدء بالعمل به.
والقرار المذكور يعني التسديد التدريجي لودائع الناس في المصارف بالعملات الأجنبية في الحسابات المفتوحة التي تعود الى ما قبل تاريخ 31 تشرين الأول 2019. ويتم هذا الأمر باعتماد أدنى رصيد متوفر بين ذلك التاريخ و30 حزيران من العام الحالي، وذلك بعد احتساب جميع المبالغ المقتطعة من قروض وبطاقات ائتمان وتحويلات وغيرها.. على ان يقسم ذلك شهريا الى 400 دولار «كاش» و400 دولار بالعملة اللبنانية على اساس سعر 12 ألفا للدولار.
كان من المفترض ان يبدأ العمل بالتعميم في الاول من الشهر الحالي، لكن الملاحظ ان المصارف تأخرت بدفع متوجباتها وهو ما لم يفاجىء كثيرين كونها ليست المرة الاولى التي لا تلتزم فيها المصارف بتعميمات رسمية. ويتخوف البعض من أسئلة يطرحها بعض القانونيين والمصرفيين تتعلق بإلزام المودع على توقيع التعميم مع انه يجب عليه ان يكون ملزما كما التعميم 151 مثلا. ويشير هؤلاء الى ان المصارف ستفرض براءة ذمة سابقة ومستقبلية وعدم التعرض للمصارف بدعاوى قضائية حتى لو توقفت عملية السحوبات المقررة لمدة سنة، ناهيك عن حجز اموال المودع لسنوات، بينما لا قيود على المصرف المعني.
كما ان ثمة خشية لدى المودعين حيال اضطرارهم الى كشف السرية المصرفية عن حساباتهم والتي قد تشمل عملياته في المصارف كافة، وان تصبح كل الحسابات المصرفية الفردية والمشتركة بمثابة الحساب الواحد. علما ان رفع السرية يعد خرقا لقانون النقد والتسليف وتجاوزا للجنة الرقابة على المصارف وبعض الاجهزة الخاصة في مصرف لبنان.
من الواضح ان العميل الذي سيستفيد من هذا التعميم لن يكون في مقدوره العودة الى تطبيق التعميم ١٥١ والقبض على سعر ٣٩٠٠ ليرة للدولار الواحد، الا بعد استنفاذ مؤونته الودائعية. وبذلك كله تتم خدمة فئة واحدة من اصحاب الودائع غير الضخمة والذين يشكلون إزعاجا للبنوك.
يرد الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان حول التأخر في انطلاقة التعميم فعليا وان كان متعمدا وحتى ما اذا كانت المسألة برمتها جديّة أم لا؟ بلفت النظر الى ان هذا التأخر يعود الى كون المصارف عليها ان تسدد منها نصف مبلغ الـ400 دولار، وهي تدرس كيفية تأمين هذه الاموال في الدرجة الاولى، مشيرا الى ما يتردد عن جديّة سيتخذها هذا المسار الذي قد لا يبدأ قبل شهر من الآن.
وهذا التعميم قد وُجد ليشكل جائزة ترضية لفئة كبيرة من المودعين قبل ان تتم فعليا عملية رفع الدعم، ليتم بذلك الخلاص من هذه الحسابات كما تم الانتهاء من بعض الحسابات قبلها تحت الثلاثة آلاف دولار.
إرتفاع مقبل في سعر الدولار؟
تتمثل سلبية هذا التعميم، حسب الخبير الاقتصادي، في كونه سيزيد من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الى ما بين 26 الفا و27 الف مليار ليرة حسب مصرف لبنان، كون الجزء الثاني سيتم سداده على 12 ألفا للدولار، وهذا الامر سيعني بدوره عملية طبع متزايدة للعملة الوطنية. لذا فإن هذا الامر سيؤدي الى تضخم وتسريع بانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وستفقد قيمتها، «ما يعني العطاء بيد والأخذ بيد ثانية عبر التضخم وارتفاع الأسعار».
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا يتعلق بما اذا كان المودعون سيهرعون بعد قبض ودائعهم الى شراء الدولار ما سيعني بدوره ارتفاعا مطردا في الاسعار.
يقابل أبو سليمان هذا السؤال بسؤال أكثر دلالة: وهل سنجد الدولارات في الاسواق؟ ويوضح ان نصف ما سيأخذه المودع على اساس الـ12 ألفا لن يتسلمه نقدا، بل ستُترك في حسابه البنكي ليصرفها بالكارت مثلا أو ليحتفظ بها.
هذا مع العلم ان من يريد الشراء عبر السوق السوداء سيخسر 30 الى 40 في المئة من ودائعه اذا بقي سعر صرف الليرة على الدولار كما هو الآن بين 17 و18 ألفا، وهذا طبعا اذا افترضنا ان سعر الصرف للعملة الوطنية لن يتدهور اكثر من ذلك كأن يصل الى 24 الفا او 30 الفا لكي لا يعود لليرة اية قيمة.
على ان ايجابية لهذا التعميم تتمثل حسب الخبير الاقتصادي في قبض المودعين للدولار، فمن يمتلك حسابا يقدر بعشرة آلاف دولار مثلا وكان من المفترض سابقا ان يتحصل عليهم على اساس سعر المنصة بـ3900، يستطيع ان يتحصل خلال عام على سبيل المثال على خمسة الاف والباقي على اساس 12 الفا للدولار.
ويشير أبو سليمان الى أن إجراء رفع السرية المصرفية هو إجراء تتأكد المصارف عبره بأن المودع لا يخفي حسابات اخرى.
في كل الأحوال يبدو التعميم كخيار مرّ يرضى به المودعون الذي كانوا حتى فترة قريبة قد فقدوا الأمل بالحصول على أي من ودائعهم، بينما ينصح البعض من يمتلك اكثر من 10 الاف دولار في حسابه بأن لا يلجأ الى تلك السحوبات، في الوقت الذي قد يلجأ مودعون الى الطعن بالتعميم.
Views: 1