الفكرة مخيفة حدّ الرعب، فكيف إن تجسّدت واستحالت حقيقة؛ كيف يمكن أن يُقتلَ المرءُ من ذاته، ممن هو جزء منه، من روحه ودمه، وممن يفترض به أن يكون الأمان والملجأ، وهل يُعقل أن تتواطأ عائلة بأكملها على قتل قاصر، وماذا يعني أن يُبرّرَ القتل ويتباهى القاتل بجريمته وبدم بارد، أم أنه زمن الرداءة والعار الذي لا يكفّ عن فرض أقسى مشاهده فداحة وأكثرها وحشية في اختبار لإنسانية تكاد تكون على شفير السقوط، أو أنها سقطت؟!
جريمة “الشرف”، يحقّ لنا وسط هول ما نسمع ونرى أن نتساءل عن معنى هذه العبارة وأبعادها، من حدّد معناها، وكيف يمكن أن يكون هناك قتل وجريمة بداعي “الشرف”، وبما أن الشرف هو مجموعة القيم الأخلاقية التي تتمثل بالصدق والإخلاص والأمانة والشجاعة والمروءة التي تجتمع مع بعضها لتسمو بالإنسان وترفعه لمرتبة التقدير والاحترام، فلنا أن نتخيّل كم نفتقد هذه القيم، ولنا أن نتخيّل أيضاً كمّ الجرائم الذي يمكن لها أن تبرّر وفق هذا المقياس، أمام منظومة اجتماعية مستعدة أن تتجرّد من قيمها، على أن تبقى رهينة لأعراف اجتماعية جائرة تتسيّد على الإنسان والمجتمع وحتى القانون.
ما تعرضت له “فتاة الحسكة” لا يعتبر جريمة كبرى بحقها وبحق طفولتها وإنسانيّتها فحسب، بل بحق مجتمع بأسره، فالواقعة تتعدى بُعدها القانوني والجرمي والعرفي وتدخل في صُلب علاقات إخوة وأسرة وروابط دم ورحم، لتكشف البنية المهترئة لروابط ينبغي لها أن تكوّن أسمى العلاقات الإنسانية، وتواجه المجتمع علناً وعلى الملأ، بمدى الانحدار الذي وصل إليه.
“الفتاة” ليست ضحية المجتمع الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها فتحت الباب واسعاً على قضية يحق لها أن تخرج من المخادع وترى النور وصولاً لحق كل الفتيات اللاتي يقتلن بغدر العادات وحقد الأعراف وجهل الأهل، وكم هن كثيرات، يُقتلن في بيوتهن وفي غرفهن ويدفن بسرهن ويسقط حقهن اجتماعياً، دون رادع حقيقي أو وازع من ضمير.
ما يحصل اليوم، على هذه الأرض التي مهّدت لحضارات العالم، يستدعي الوقوف عنده ملياً، في مواجهة حقيقية حان وقتها مع بنية فكرية واجتماعية مخيفة عاث فيها الجهل، وخلفتها الحرب، وعبث بها الفكر الأسود، رغم أن الطريق طويل وشاق ولن يتوقف على حشد أقصى الطاقات لإعادة بناء جديد يعول عليه، ويمتلك، على الأقل، الحد الأدنى من المعايير التي تؤهله للعيش كإنسان، “إنسان” فقط.
هديل فيزو
Views: 0