بينما يرنو اقتصاد لبنان الى كلّ دولار يأتيه من أينما كان، يشكّل الوافدون اليه اليوم من الخارج، سواء المغتربين او السياح العرب كالعراقيين والسوريين، مصدراً رئيسياً للسيولة النقدية الاجنبية التي تحتاجها البلاد، للحفاظ أقلّه على وتيرة الانهيار نفسها، وليس تسارعها بشكل لا يمكن مجاراته، خصوصاً انّ ثورة جياع بدأت تلوح في الأفق، في حال لم يتمّ تدارك الوضع المعيشي والانهيار الصاروخي في سعر صرف العملة المحلية.
رغم انّه لغاية اليوم، وفي «عزّ» الموسم السياحي، لم تفلح دولارات المغتربين في دعم سعر صرف الليرة، التي ما زالت تسجّل يومياً تراجعاً قياسياً مقابل الدولار، لتلامس حدود الـ20 الف ليرة، إلّا انّ تلك الدولارات تساهم في تلبية جزء من الطلب على العملة الصعبة، من أجل مواصلة استيراد المواد الاساسية الحيوية، ولو بنسب ضئيلة لا تكفي الاستهلاك المحلي، إن كان من محروقات أو أدوية او قمح وغيره.
في هذا الاطار، اوضح الخبير الاقتصادي مايك عازار، انّ الامور لا تسير دائمًا بشكل حدسي عندما يمرّ بلد ما بأزمة مالية، اي انّه ليس بالضرورة ان يولّد على سبيل المثال، توافد السياح تداعيات إيجابية على ميزان المدفوعات، او ان يؤدي الى ضخ المزيد من الدولارات، وبالتالي الى استقرار سعر صرف الليرة او ارتفاعه.
واشار عازار الى«الجمهورية»، أنّ السياحة لن تكون مفيدة للبنان في خضم الأزمة المالية التي يعاني منها، حتى لو توافد السياح او المغتربون إلى لبنان، لأنّ معظم هؤلاء لديه ودائع محتجزة في المصارف وسينفق منها على سعر الصرف المحدّد للسحوبات النقدية بالليرة على الـ3900، وبالتالي لن يضخ المغتربون العملة الاجنبية في السوق، بل سيزيدون من ضخ السيولة النقدية بالليرة، من دون أي تعويض عن ذلك بالدولار.
اما السياح غير اللبنانيين الذين يسعون للاستفادة من انخفاض الأسعار بالدولار، سيتعيّن عليهم جلب السيولة النقدية بالدولار وصرفها في السوق السوداء، وهذا الامر دونه عقبة كبيرة، بسبب تعذّر استخدام بطاقات الإئتمان الخاصة بهم كوسيلة للدفع أو أجهزة الصراف الآلي لسحب الدولارات.
وشدّد عازار على انّ أسعار الاستهلاك لن تبقى بهذا المستوى المنخفض (بالدولار) لفترة طويلة، «بمجرد رفع الدعم وتعديل الرواتب، سترتفع الأسعار. وبما اننا بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، فإنّ الاسعار سترتفع بشكل كبير على الرغم من أنّها تبقى أقل مما كانت عليه قبل الأزمة، ولكن ليس بالمستويات المنخفضة التي يعوّل عليها كثيرون في القطاع السياحي.
وحذّر من انّ دولارات السياح والمغتربين التي يتمّ صرفها في السوق السوداء قد يكون مصيرها التخزين في المنازل، لأنّ الطلب على الدولار في السوق السوداء كبير، نتيجة محاولة اصحاب الودائع المحتجزة بالدولار او بالليرة، إخراجها عبر بيع الشيكات المصرفية مقابل سيولة نقدية.
كما شرح عازار، انّ دولارات الوافدين قد تكون نقمة على اقتصاد لبنان، لأنّ ازدهار السياحة واستهلاك السياح الشخصي سيؤدّيان الى ارتفاع الطلب على الاستيراد وبالتالي، على الدولار. وفي النتيجة، سيتمّ استخدام الدولارات الوافدة للاستيراد بنسبة اكبر، وستبقى خارج الاقتصاد اللبناني لأنّه سيُعاد تصديرها او ستُخزّن في المنازل.
وقال انّ دولارات الوافدين الى لبنان قد تؤدّي في الواقع إلى تفاقم أزمة سعر الصرف، لافتاً الى انّ استهلاك السياح لأي سلعة مدعومة يشكّل خسارة للاقتصاد وليس مكسباً. شارحاً على سبيل المثال، انّ الدولة تشتري المحروقات مقابل مبلغ معيّن من الدولارات، وتبيعه للسياح بقيمة أقلّ من المبلغ الذي دفعته.
وسأل عازار: «ما الذي سيحفّز السياح على زيارة لبنان بأعداد كبيرة؟ السائح يتابع الاخبار ويرى ما يحدث: انفجار دمّر بيروت، جزء كبير من الفنادق والحانات والمطاعم مقفل، ارتفاع في نسب السرقات والجرائم، عدم استقرار سياسي، معاناة يومية على كافة الاصعدة نتيجة عدم توفر البنزين وانقطاع التيار الكهربائي والمياه، بالاضافة الى الرفوف الفارغة في الصيدليات والسوبرماركت».
أضاف: «انتفت معظم الأسباب التي تدفع الأشخاص الى زيارة لبنان (خصوصاً الميسورين الذين يُعدّ إنفاقهم كبيراً) وقد فقد لبنان قدرته التنافسية. فالامر لا يتعلّق فقط بـ»رخص الاسعار» .
وختم: «كأي شيء آخر في لبنان، لا توجد خطة استراتيجية حقيقية للسياحة. ولا يبحث صنّاع القرار بشكل واقعي أو استراتيجي في الواقع الحالي لقطاع السياحة او غيره من القطاعات الاقتصادية. هناك تحدّيات كبيرة يجب معالجتها، والتفكير السطحي لا يمكن ان يساهم في ذلك. فقد شجعت دول أخرى السياحة المحلية للحفاظ على هذا القطاع خلال أزمة «كورونا»، وقد استثمرت في البنية التحتية من اجل دعم السياحة، وهي في طور التحضير لمرحلة ما بعد COVID. في المقابل، يتخبّط لبنان في أزماته المالية والمعيشية والسياسية والأمنية».
Views: 0