أليسَ من العار على “النّخبة” السياسيّة اللبنانيّة أن تُنْقِذ المحروقات القادمة من سورية مُستشفيات بلادهم ومخابزها من الإغلاق؟
ولماذا ضرب السيّد نصر الله مثَل تفضيل الأمريكان الكِلاب على العُمَلاء الأفغان في صُعود طائرات الإجلاء؟ وهل هي رسالة لنُظرائهم اللّبنانيين؟
أكثر النّاس حاجةً لتعلّم دُروس الانهيار الأمريكي السّريع والمُخجِل في أفغانستان وتخلّي الرئيس جو بايدن عن عُملاء بلاده الذين خدَموا احتِلالها أمنيًّا وعسكريًّا طِوال العشرين عامًا الماضية من عُمر الاحتِلال، أكثر هؤلاء هُم السياسيّون في لبنان، ونحن نتحدّث هُنا عن المُنخَرطين منهم في المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يَقِف خلف مُعظم، إن لم يَكُن كُل، الأزمات التي تعيشها البِلاد حاليًّا ابتِداءً من أزمة المحروقات، ومُرورًا بالاختِناق الاقتصادي، وانتهاءً باستِفحال الجُوع واختِفاء الدّواء.
مِن المُؤسِف أنّ هؤلاء السّياسيين لا يتعلّمون، ليس من هزيمة حليفهم الأمريكي فقط، وإنّما من دُروس هزائمهم السّابقة في لبنان، وفشَل رهاناتهم على قِوى إقليميّة ودوليّة، ولهذا تسير الأوضاع في البِلاد من سيء إلى أسوأ، وربّما يُفيد التّذكير بمَصير العميل الأشهر أنطوان لحد في هذه العُجالة، وقادة جيشه.
من المُفارقة أنّ أبرز ما كشف عنه السيد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله” في خِطابه في اللّيلة التّاسعة من الاحتِفالات الدينيّة بذِكرى عاشوراء، تواصله مع المَسؤولين السّوريين، ومُوافقتهم الفوريّة، وهُم الذين تُعاني بلادهم من أزمة المحروقات، لتَزويد المُستشفيات والأفران اللبنانيّة بالمازوت اللّازم لتَشغيل مُولّداتها وأفرانها، وإنقاذ لبنان من المَجاعة، والمرضى من الموت في بَلدٍ ينهار فيه النّظام الصحّي، ويتَحوّل فيه الدّواء إلى عُملةٍ نادرةٍ جدًّا، وغير مُتَوفِّرة حتّى للأغنياء.
نتّفق مع السيّد نصر الله في قوله بأنّ ما يجري في لبنان هو جُزءٌ من حربٍ اقتصاديّة مقصودة تَهدِف إلى إذلاله وتركيع شعبه، تَقِف خلفها الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن، ما نَختَلِف معه في أنّ التّصدّي لهذه الحَرب كان يجب أن يكون مُبكرًا لمنع استِفحالها بالصّورة التي وصلت إليه الآن، مع تقديرنا وتفهّمنا الكامِل لجميع حِساباته الدّاخليّة، الدّقيقة والمَشروعة.
صحيح أنّ أهل مكّة أدرى بشِعابها، وأنّ ليس كُل ما يُعرَف يُقال، ولكنّ الأصح أيضًا أنّ هُناك أُناس في لبنان يَعتَبِرون “مُخطئين” أنّ سياسة النّفس الطُويل هي نَوعٌ من الضّعف، ويُولِغون في الانخِراط في المشروع الأمريكي الإسرائيلي، والمُؤامرة على محور المُقاومة وحاضنته الشّعبيّة بالتّالي، وسِلاحه الصّاروخي الذي حمى لبنان وأمنه واستِقراره.
الأمريكان انهزموا في أفغانستان وبطَريقةٍ بَشِعَةٍ لا تليق بدولةٍ تدّعي أنّها الأعظم في التّاريخ، والإسرائيليّون انهزموا في قطاع غزّة، وبات مُعظمهم يبحث عن “مَلاذٍ آمِن” في أوروبا وأمريكا حتّى لا يُواجهون المَصير البائس نفسه للعُملاء الأفغان، ومِن المُؤكَّد أنّ المشهد الافغاني سيتَكَرَّر، ليس فقط في لبنان، وإنّما على أرض فِلسطين المُحتلّة، وأقرب ممّا يتَصوَّر الكثيرون.
الرّسالة مَكتوبةٌ على الحائط تقول مُفرداتها، إنّ الأمريكان الذين كانوا أحرص على أرواح كلابهم، وأعطوها الأولويّة للصُّعود إلى الطّائرة، مثلما قال السيّد نصر الله، لن يُعيروا أدواتهم في لبنان أيّ أهميّة، وربّما سيُعاملونهم بطَريقةٍ أكثر سُوءًا من نُظرائهم الأفغان.. والأيّام بيننا.
“رأي اليوم”
Views: 0