على الرغم من العوائق التي لا تزال تحول دون قيام الحكومة، إلا أنّ أكثر من مواكب لملف التأليف، يجزم بأنّ الجو إيجابي أكثر من أي وقت مضى. المناخ الدولي الذي يحيط بالمشاورات السياسية قادر على فرض هذا الاختراق، ولو أنّ توقيت تلاوة مراسيم الحكومة لا يزال مجهولاً. هل سيسبق رفع الدعم نهائياً عن المشتقات النفطية أم سيكون على أنقاض الفوضى الاجتماعية التي سيفرضها الواقع المستجد، نتيجة توقف مصرف لبنان عن فتح أي اعتماد على أساس سعر الدولار 8000 وفق اجتماع بعبدا المالي الأخير.
فعلياً، ثمة سباق بين القرارين، ولا أحد يدري أيٌ منهما سيأتي أولاً، خصوصاً وأنّ الرأي الراجح لدى من يعرفون رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يعتقدون أنّ القطب الطرابلسي يحاذر إمساك كرة رفع الدعم النارية بيديه، ويفضّل ألّا تواجه حكومته هذه المحرقة مع انطلاقتها وهي أصلاً أمام مهمة شبه مستحيلة، ليؤجّل بذلك إعلان ولادة الحكومة إلى ما بعد وضع هذا الإجراء موضع التنفيذ الفعلي، خصوصاً وأنّ الأسابيع الاخيرة أثبتت أنّ الفريق العوني يخشى هذه المرحلة ويضعها في إطار “الحرب الكونية” التي تُخاض بوجهه لكونه يدرك عواقبها الاجتماعية جيداً، ولو أنّه يعرف تمام المعرفة من خلال ممثليه في المصرف المركزي، سواء من خلال مفوضة الحكومة لدى المصرف أو بعض أعضاء المجلس المركزي، مدى قدرة مصرف لبنان على المضي في سياسة الدعم، من عدمها… مع العلم أنّ المعنيين يعتقدون أنّ قيام حكومة مقبولة دولياً من شأنه أن يساهم وسريعاً في تخفيض سعر صرف الدولار، وقد يصل إلى عتبة 12 ألفاً، كما يردد البعض، ما يعني أنّ سعر المشتقات النفطية سينخفض حكماً ليصير وكأنّ الدعم لا يزال قائماً.
ولكن بمعزل عما يريده ميقاتي، وعما بمقدوره القيام به اذا ما بقيت العقد الحكومية عالقة في عنق الزجاجة، فإنّ اللبنانيين أمام واقع جديد سيتكرّس خلال الأيام القليلة المقبلة، إلا اذا نجح العهد في الضغط على مصرف لبنان لدفعه إلى تأجيل قراره مرة جديدة ضمن تسوية مالية لا تقوم إلّا من جيوب اللبنانيين، ولو قيل لهم عكس ذلك.
وفق تقديرات بعض المعنيين، فإنّ مجرد التحذير من وقف الدعم، سيؤدي إلى تهافت اللبنانيين على شراء المحروقات من بنزين ومازوت، وهذا ما يفسّر تضاعف حجم “طوابير الذلّ” التي تشهدها المحطات على نحو يومي، وبالتالي إنّ المخزون من هذه المادة والمدفوع ثمنه من جانب مصرف لبنان لن يكفي إلا لأيام معدودة قبل أن يتبيّن أنّ هذه المادة قد تبخّرت من السوق، سواء عبر تخزينها من جانب المستهلكين المرعوبين من ارتفاع الأسعار على نحو جنوني، أو من جانب التجار المحتكرين لأسباب مالية مصلحية تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الإنسانية. مع العلم، كما يؤكد المعنيون، فإنّ حِسبة الورقة والقلم التي فرضتها تسوية اجتماع قصر بعبدا الأخير، مع حاكم مصرف لبنان، والتي أفضت إلى صرف اعتماد بقيمة 225 مليون دولار للمشتقات النفطية وصيانة معامل الكهرباء، يفترض أن تكفي حتى نهاية الشهر الجاري وفق الاعتمادات التي دفعت لشحنات البنزين والفيول.
بالنتيجة، يقول المواكبون إنّ أياً من المسؤولين اللبنانيين، الرسميين أو الماليين، لن يتجرأ على الاعلان بالفم الملآن عن وقف الدعم نهائياً. سيتكرس الإجراء كأمر واقع، لا “أبَ” له يتبناه، مع العلم أنّ دعم بعض الأدوية لا سيما تلك المخصصة للأمراض المزمنة والمستعصية، لن يتوقف والأرجح أنه سيمول من حقوق السحب الخاصة التي وفّرها صندوق النقد الدولي والبالغة قيمتها 860 مليون دولار.
يؤكد هؤلاء أنّ قراراً كارثياً من هذا النوع سيكون موضع تنفيذ تلقائي، من دون أن يكون مرفقاً بـ”طبل وزمر”، مع العلم أنّ هذا القرار على قساوته وتداعياته التدميرية، سيفتح باب مفاوضات سهلة مع صندوق النقد الدولي الذي سبق له أن وضع شرطين تعجيزيين على لبنان، وهما تحرير سعر الصرف ووقف الدعم. وكلاهما نُفّذ من دون أن يتبرّع أي من القوى السياسية لتبني هذا القرار وتحمّل تبعات “لعنته”.
Views: 3