0صدر: الميادين نت خوفٌ خليجي من الحليف الأميركي، الذي انسحب من أفغانستان على نحو فوضوي وغير محسوب العواقب، وقلقٌ من أن يكون الاعتماد على واشنطن لتحقيق أ
ترك الانسحاب الأميركي من أفغانستان كثيراً من الأصداء السلبية لدى حلفاء واشنطن، مثيراً شكوكهم في قدرتها على الاستمرار في قيادة العالم، وتأمين الحماية اللازمة لهم، إن تطلّب الأمر.
تصريح وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، كان حازماً ومعبّراً عن هواجس حلفاء أميركا في أوروبا. فبقوله إنّ الولايات المتحدة “قد لا تكون على الأرجح قوة عظمى”، كونها “غيرَ مستعدة للالتزام بشيء”، يكشف والاس الاستياء الأوروبي من سوء تصرّف أميركا في البلد الذي احتلته 20 عاماً من دون أن تتمكّن من إحداث أيّ تغيير فيه، أو ضمان انسحاب آمن منه على الأقل.
دول أوروبية متعدّدة عبّرت عن خيبتها من الانسحاب الأميركي “المُذِلّ”، بينما دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الأوروبيين إلى تنظيم أنفسهم “لمواجهة العالم كما هو”، وتزويد الاتحاد “بقوة دخول أُولى قوامها 50 ألف جندي”، لتكون بديلاً عن الاعتماد الكبير على الجيش الأميركي.
عربياً، تبدو حالة الارتباك نفسها. مسؤول خليجي كبير سأل، أمس الإثنين، إن كان في مقدور حلفاء واشنطن العرب في الشرق الأوسط، مواصلة الاعتماد عليها بعد انسحابها الفوضوي من أفغانستان.
وتابع “أفغانستان زلزال.. زلزال مدمِّر سيبقى معنا فترةً طويلة جداً جداً”، مبدياً شكوكه في صحة الاعتماد على الحليف الذي لطالما كان الظهير الأقوى لدول الخليج، قائلاً “هل يمكننا بحقّ الاعتماد على مظلّة أمنية أميركية للسنوات العشرين المقبلة؟ أعتقد أنها مسألة شائكة للغاية في الوقت الحالي.. شائكة جداً حقاً”.
تتخوّف الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة من تخلّي أميركا عن حمايتها في مواجهة أيّ تهديد محتمَل (تنظميات عسكرية، معارضة شعبية أو مسلحة، تأَكُّل للنفوذ لحساب دول معادية)، تماماً كما جرى التخلي عن حكومة أشرف غني والجيش الأفغاني، الذي فقد عوامل الصمود بعد إقفال قاعدة “باغرام” وقواعد أخرى، كانت تمد الجيش بالدعم اللازم لمواجهة “طالبان”، جوياً واستخبارياً.
لكن النموذج الأفغاني ليس وحده ما يُقلق حلفاء واشنطن الشرق أوسطيين، ولاسيما الخليجيين، إذ تشهد العلاقات بين دول الخليج وإدارة الرئيس جو بايدن توترات على خلفية عدة قضايا، بينها آفاق التعامل مع إيران، وقضايا حقوق الإنسان، والحرب على اليمن، وصفقات الأسلحة.
يخشى المسؤولون الخليجيون ألاّ تمنحهم إدارة بايدن النفوذ نفسه الذي كان لديهم في عهد ترامب، ويتخوّفون من أن تأتي ثمار المفاوضات النووية مع إيران في فيينا بما لا يشتهون. لذلك، مارسوا ضغوطاً من أجل الانضمام إلى المحادثات النووية، لكن هذا المطلب قوبل بالرفض.
لذلك، اضطروا، في نهاية الأمر، إلى قبول محدوديةِ الاستجابة الأميركية لمطالبهم، والتي تتضمن الضغط على إيران من أجل وقف دعم حركات المقاومة في البلدان العربية، والشروع في محادثات مع طهران.
تشغل قضايا حقوق الإنسان، والعلاقة بقضايا الإرهاب، جانباً مهماً من علاقات دول الخليج بأميركا في عهد الإدارة الديمقراطية. الرئيس بايدن استخدم هذه الورقة أكثر من مرّة في تعامله مع السعودية، بصورة خاصة. فمن كشف مسؤولية السلطات في الرياض، وعلى رأسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي، حتى اتهام سعوديين بمساعدة الإرهابيين المشاركين في هجمات 11 أيلول/سبتمبر، كانت الإدارة الأميركية تُرسل رسائل محرجة وغير مطمئنة للسعودية، التي حاولت خلال العقود الأخيرة التنصّل من تهمة دعمها الإرهاب.
كما شكّل إعلان بايدن إيقافَ مساهمة بلاده في الحرب على اليمن، عسكرياً واستخبارياً، وتعليق صفقات أسلحة تتضمّن بيع طائرات “أف 35” للإمارات، وذخائر متطورة للسعودية، نكسةً جديدة لدول الخليج المشاركة في الحرب على اليمن، بحيث يمثّل الانسحاب الأميركي المباشِر من هذه الحرب إنذاراً مبكّراً لاحتمال تخلّيها عن دول الخليج في “تحديات” مقبلة.
الحديث الأميركي المتزايد عن ضرورة سحب مزيد من القوات من سوريا والعراق، وتركيز الجهود على تعزيز الاقتصاد المحلي ومواجهة التقدّم الصيني، يُثير قلق دول الخليج أيضاً مما قد يحدث في المنطقة بعد خسارة الدعم العسكري الذي يُعَدّ المظهر الأجلى لقوّة الولايات المتحدة والحاجة الأبرز للدول الخليجية.
وقبل أسابيع، أزالت الولايات المتحدة منظوماتها الأكثر تقدماً للدفاع الصاروخي وبطاريات “باتريوت” من السعودية، وهي المنظومات التي تساهم في حماية السعودية من الهجمات الصاروخية للقوات المسلحة اليمنية.
وفي هذا الخصوص، قال الزميل الباحث في معهد “جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس”، كريستيان أولريشن، إنّ “التصورات مهمة، سواء أكانت متجذرة في واقع بارد، أَمْ لا.. والتصور واضح جداً، ومفاده أن الولايات المتحدة ليست ملتزمة تجاه دول الخليج كما كانت في السابق، من خلال وجهات نظر كثير من الأشخاص في سلطة صنع القرار في المنطقة”.
وأضاف أولريشن “من وجهة النظر السعودية، يرى السعوديون الآن أوباما وترامب وبايدن – ثلاثة رؤساء متعاقبين – يتخذون قرارات تدل، إلى حد ما، على التخلي”.
تسبّب الانسحاب الأميركي من أفغانستان بهزّة في الثقة بين واشنطن وحلفائها. وإن كانت مفاعيل هذه الهزة لا تزال غير واضحة تماماً، فإن مجرّد التخوّف من السياسات الأميركية تجاه أصدقائها سيكون ذا نتائج عملية، قد نلمسها خلال فترة وجيزة.
Views: 1