بانتظار فتح الطريق الى صندوق النقد الدولي سيبقى سعر صرف الدولار صعودا وهبوطا في ضوء النتائج الأولية التي لن تبقى بدون تداعيات اجتماعية إذا تضمنت تطبيق أجندة تزيد في تفجير أوضاع متفجرة أصلا مثل شروط الصندوق خفض كبير في حجم جهاز الدولة المتضخم، وإلغاء مكتسبات اجتماعية هي أصلا غير كافية لمنع الانفجار فكيف إذا تعرّضت للخفض أو الإلغاء. أو إذا تضمنت إشتراط إصلاحات وتغييرات أساسية لا جدوى من انتظار «من خرّبها أن يصلحها»!
كما من باب الواقعية لا التشاؤم، انه حتى لو كانت طريق الصندوق على بعض المفارق آمنة، فإن هناك الكثير من المفارق ليست سالكة والتي لا يبدو أن لدى الدولة اللبنانية من الخبرة والوسائل الجاهزة والقدرة الكافية على اجتيازها.
ولنا مما يحصل الآن في الصعوبات التي تواجهها تونس للحصول من الصندوق والدول المانحة على التمويلات اللازمة التي تقدر بـ18,5 مليار دولار منها قروض بـ18,5 مليار دينار (6,85 مليار دولار) خارجية بـ١٣ مليار دينار، وداخلية بـ5,6 مليار دينار.
فبعد أن حصلت تونس بين الأعوام ٢٠١٦ و٢٠٢٠ على دعم مالي من الصندوق الدولي بـ2,8 مليار دولار، تسود الآن ضبابية متزايدة في علاقتها مع الصندوق بما يخشى أن يترك تأثيراته السلبية على موقف الدول المانحة التي كانت قد تلقت مع الصندوق من السلطات التونسية تطمينات حول برنامج حكومي اقتصادي واجتماعي واضح المعالم، ما لبث تنفيذه أن تعثر لأسباب بينها أنه يمس بشكل أساسي منظومة الدعم الاجتماعي وحجم ورواتب القطاع العام.
وإذا كان هذا السبب العامل الأساسي في تعثر المفاوضات بين تونس والصندوق، فإن الأسباب التي تهدد استمرار لبنان في مفاوضات مرتقبة هي إضعاف مضاعفة، بعضها على سبيل العد لا الحصر:
أولا: ان الدولة اللبنانية أعطت علامة (صفر) لسمعتها المعنوية لدى الدول والمؤسسات المانحة الدولية والعربية، بامتناعها عن دفع «اليوروبوندز» التي مع ذلك ما زالت موضع مفاوضات أو مقاضاة من قبل الدائنين الأجانب.
ثانيا: ان هدر وسلب ونهب نحو ٨ مليارات دولار في أقل من عام على دعم لم يصل سوى ٢٠ أو ٢٥% منه للمحتاجين والمعوزين والباقي للمحتكرين والمهربين، أعطى علامة (صفر) ثانية لإداء الدولة اللبنانية في بداية امتحان لم يبدأ بعد مع صندوق النقد والمؤسسات المانحة الدولية والعربية.
ثالثا: ان الأسلوب والطريقة والمماطلة التي استغرقت أكثر من عام كامل في محاولات تأليف الحكومة وما انتهت إليه من تثبيت نظام قائم على توزيعات ومحاصصات اقتصادية ومنافعية كشفت عن هشاشة وتصدعات «تستحق» علامة (صفر) ثالث في امتحان صندوق النقد لهذا النوع المتدني من «المنظومات الطائفية والمذهبية» الذي يصنفه العالم الاجتماعي «الكونت كوندورسيه» بأنه في قعر لائحة المنظومات السياسية العالمية، ويتفوّق عليه من حيث مستوى التماسك والتكامل والتمثيل الشعبي صعودا وعلى التوالي نظام العشيرة والقبيلة والإمارة وصولا الى «الدولة» التي إستبدلها النظام السياسي في لبنان بـ«بدل عن ضائع» بإسم على غير مسمّى ويكفيه من درجة الغرابة السلبية والندرة العجائبية أنه النظام الوحيد في العالم كله الذي ينتخب نوابه في البرلمان على أساس قيدهم المذهبي – الطائفي الأمر الذي لم يحصل يوما لا في الشرق ولا في الغرب ولا في مجاهل أفريقيا وعلى كل مراحل التاريخ القديم والحديث!!
أما كيف يترك هذا الواقع أثاره السلبية، فهو في نظرة الدول صاحبة القرار إلى مستوى ودرجة الثبات والتماسك والتجانس في المنظومة السياسية التي تتلقى القروض والتسهيلات وكيفية تعاملها بهذه الأموال المؤتمنة عليها.
وطريق المنظومة اللبنانية إلى الصندوق الدولي، بما هي عليه من الدرجة «العالية» جدا من التخلف الهيكلي والإداري والفساد المالي والسياسي، لن تكون سهلة ولا آمنة بل حافلة بمطبات وعثرات كان آخر من توقعها «معهد التمويل الدولي» في تقرير له بعنوان «تفاؤل حذر مقابل تحديات رهيبة» جاء فيه أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومانحين رسميين أخرين سبق وأحجموا عن تقديم الدعم المالي للبنان بسبب الفشل المتكرر للطبقة السياسية في تنفيذ إصلاحات حاسمة لا يمكن أن تتم عن طريق وزراء اختصاصيين يدينون بمواقفهم لانتماءاتهم السياسية.
Views: 0