ما هي الرّسالة الإيرانيّة التي صدمت المُفاوضين السعوديين في بغداد حول حرب اليمن؟ وهل يعني بيان الأحزاب اليمنيّة الستّة المُدافعة عن مأرب اعتِرافًا بالهزيمة ومُقدّمة لفكّ الارتباط بالتحالف السعودي وحُكومة الشرعيّة؟
عبد الباري عطوان
إذا كان هدف المملكة العربيّة السعوديّة من إثارة قضيّة تصريحات الوزير جورج قرداحي حول عبثيّة الحرب اليمنيّة هو تحويل الأنظار عن خسارتها وحُلفائها، لمعركة مُحافظة مأرب الاستراتيجيّة، فإنّ ما حدث هو العكس تمامًا، من حيث تسليطها الأضواء على هذه المعركة، والانقِسامات الضّخمة في صُفوف المُعسكر اليمني المُناهض لحركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفائها، ممّا يعني أنّ سُقوط المدينة بات قاب قوسين أو أدنى.
تطوّران رئيسيّان مُفاجئان في هذا المشهد يعكسان الموقف اليائس للتّحالف السعودي والحُكومة “الشرعيّة”، ويُمكن أن يكونا مُؤشِّرًا لقُرب نهاية الحرب إن لم يكن في كُلّ اليمن، ففي مُكوّنه الشّمالي على الأقل:
-
الأوّل: البيان الذي أصدرته، وللمرّة الأُولى، ستّة أحزاب يمنيّة رئيسيّة (الإصلاح، المُؤتمر الشعبي العام “فرع الداخل”، الاشتراكي، الناصري، البعث) واتّهمت فيه التحالف السعودي وحُكومة هادي الشرعيّة بالفشل في إدارة المعركة في مأرب سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا، ويتحمّلان المسؤوليّة كاملةً لكُلّ ما ينتج عن هذا الخُذلان المُخزي.
-
الثاني: سيطرة تحالف حركة “أنصار الله” على مُديريّة العبدية، بعد سيطرتهم على مديريّة الجوبة، ممّا يعني أنّ قلب مدينة مأرب بات مُحاطًا من ثلاث جهات من قبل قوّات حُكومة صنعاء، وبات حسم المعركة لصالحها وشيكًا جدًّا.
***
هذا البيان السّداسي في نظرنا أكثر خُطورةً وإيلامًا بكثير من كُلّ ما ورد في تصريحات الوزير قرداحي، لأنه يُشَكِّل هُجومًا شرسًا، وربّما تمرّدًا، من قبل الأحزاب المُشاركة في التحالف، وحُكومة الرئيس هادي “الشرعيّة”.
ّالوزير القرداحي تحدّث عن عبثيّة الحرب وقال إن الحوثيين يُدافعون عن أنفسهم في مُواجهة عُدوان يستهدفهم، ولكنّ هذا البيان، اتّهم التّحالف السعودي بعدم الكفاءة وسُوء إدارة الحرب، وهذا يعني حرفيًّا التّشكيك بكُلّ جُهود هذا التّحالف طِوال السّنوات السّبع الماضية، والاعتِراف بالهزيمة، ليس في مأرب فقط، وإنّما في كُلّ اليمن.
لا نُبالغ إذا قُلنا إنّ هذا البيان أصاب التّحالف السعودي الذي يُقاتل في اليمن بقُوّاته، وقوّات الجنجاويد و”بلاك ووتر”، وطائرات “إف 16” و”إف 15″، وخسارة أكثر من 250 مليار دولار على مدى السّنوات السّبع الماضية، بطَعنةٍ في الظّهر غير مُتوقّعة.
هُناك عدّة تفسيرات لهذا البيان السّداسي، أبرزها أنّ مُقاتلي الأحزاب الستّة الذين يُدافعون عن مأرب، ويُحاولون منع سُقوطها في أيدي حركة “أنصار الله” وقوّاتها، أُصيبوا بالإحباط من جرّاء الإدارة المُتقدّمة للمعركة من قبل القيادة الحوثيّة، وسُقوط المديريّات الرئيسيّة الواحدة تلو الأُخرى، وأدركوا أنّ دُخول قوّات حُكومة صنعاء للمدينة بات وشيكًا جدًّا، ولهذا بدأوا التّمهيد للنّأي بأنفسهم عن التّحالف السعودي، وفكّ الارتباط مع حُكومة هادي الشرعيّة، وربّما الانخِراط مُستَقبلًا في الحِوار مع “أنصار الله” لتقاسم السّلطة بطَريقةٍ أو بأُخرى.
***
مصادر يمنيّة مُقرّبة من القيادة الحوثيّة كشفت لـ”رأي اليوم” عن السِّر الحقيقي وراء هذه الغضبة السعوديّة العارمة ضدّ لبنان و”حزب الله”، وقالت إنّ الإيرانيين أكّدوا لمُفاوضيهم السعوديين في جولات الحِوار التي جرت بين الطّرفين في العِراق، إنّ ملف اليمن يُديره “حزب الله” في لبنان، ولا دخل لإيران فيه، وإذا أرادوا إنهاء الحرب فإنّ عليهم التّفاوض مع قيادة الحزب في بيروت، لانهم يمكن ان يكونوا الوسيط الأنسب في هذا الملف بحكم علاقاتهم الجيدة مع “انصار الله”، وهذا ما يُفَسِّر انهِيار هذه المُفاوضات، وعدم تحديد أيّ موعد جديد للجولة القادمة منها، والهُجوم الشّرس الذي شنّه الأمير فيصل الفرحان وزير الخارجيّة السعودي على إيران و”حزب الله” وهيمنته على القرار في لبنان في مُؤتمره الصّحافي على هامِش قمّة العشرين في روما، جاء انعِكاسًا مُباشِرًا لهذه الصّدمة الإيرانيّة.
للمرّة الثّانية نُؤكِّد أنّ الوزير قرداحي كان مُجرّد كبش فداء، وتصريحاته اتُّخِذَت كذريعة، وخيبة الأمل السعوديّة وما ترتّب عليها من غضبٍ مِثل سحب السّفراء كان مُجرّد قمّة جبل جليده لا أكثر ولا أقل، فآخِر ما توقّعته القيادة السعوديّة أن تكتشف وبعد ثلاث جولات من المُفاوضات مع الإيرانيين في العِراق، أنّ عليهم التوجّه إلى “السيّد” في الضاحية الجنوبيّة إذا أرادوا الخُروج من مصيدة الحرب في اليمن.. واللُه أعلم
Views: 0