Smiley face Smiley face Smiley face

إردوغان وماكرون.. بين المنافسة والعداء تفاهم واحد!….بقلم حسني محلي

زيارة ماكرون إلى المنطقة تأتي لعرقلة ما يسعى من أجله إردوغان إقليمياً ودولياً.

بعد أسبوع من زيارة “العدو الأكبر” محمد بن زايد لأنقرة وحديث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن رغبته في تحقيق مصالحات مماثلة مع مصر و”إسرائيل” والسعودية والبحرين، جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المنطقة ليعرقل ما يسعى من أجله إردوغان إقليمياً ودولياً.

كانت أبو ظبي محطة ماكرون الرئيسية، حيث أقنع ابن زايد بشراء 80 طائرة رافال و12 مروحية، واتفق وإياه على التنسيق والتعاون المشترك حول مجمل القضايا التي تمت مناقشتها. وهو ما توصّل إليه ماكرون خلال مباحثاته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد أن كسب ودّه، لأنه أول رئيس غربي يزور السعودية بعد الجريمة التي استهدفت جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018 وحمّل الجميع ابن سلمان مسؤوليتها. وكان اتصال الثنائي برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أولى ثمار هذا التنسيق والتعاون، وتمّت ترجمته عملياً عبر المشاريع والمخططات السعودية-الفرنسية المدعومة أميركياً، والتي ستستهدف حزب الله وعبرها سوريا ثم إيران.

وأما في قطر (يزورها إردوغان غداً الاثنين) وهي محطة ماكرون الثالثة، فقد رحّب الأمير تميم به ترحيباً حاراً، وربما كردّ على الحفاوة التي استقبل بها حليفه إردوغان عدوّه محمد بن زايد في أنقرة، وخاصة أن زيارة ماكرون جاءت بعد يومين من الاتفاقية التي وقّعتها قبرص مع الشركة الوطنية للبترول القطرية وشركة أكسون موبيل الأميركية للبحث والتنقيب عن الغاز في جوار الجزيرة، وهو ما استنكرته أنقرة بشدة ودفعت إردوغان إلى زيارة الدوحة (الأحد)، وخاصة أن هذا التوقيع جاء في اليوم الذي صادقت فيه لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي على اتفاقية مع الدوحة تسمح بموجبها أنقرة لـ 36 طائرة حربية قطرية بالمجيء والبقاء في القواعد التركية والتحليق في الأجواء التركية، بالتزامن مع زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس لقبرص واليونان.

هذا في الإطار الضيّق من المنافسة بين إردوغان وماكرون، ويبدو واضحاً أنها قد اكتسبت طابع العداء المباشر خلال السنوات القليلة الماضية. ويفسّر ذلك الهجوم العنيف الذي شنّه ويشنّه الرئيس إردوغان بين الحين والحين على ماكرون شخصياً، فيردّ عليه الثاني الصاع صاعين، ومن دون أن يمنعهما ذلك من المصالحة والعناق الحار في المناسبات المختلفة، وآخرها قمة العشرين في روما نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في الوقت الذي كانت فيه باريس تتصدى لمخططات الرئيس إردوغان ومشاريعه في العديد من الساحات، وأهمها ليبيا والصومال وكاراباخ، وبعد أن استنفرت أنقرة كل إمكانياتها لمنافسة، إن لم نقل مواجهة، الدور الفرنسي التقليدي في مستعمراتها الأفريقية السابقة التي يزورها إردوغان بين الحين والحين، ويستضيف زعماءها في تركيا باستمرار، ومن دون أن يهمل إردوغان الاهتمام بالجالية التركية في فرنسا وقوامها نحو 600 ألف، في محاولة منه لتحريضها وتحريض الإسلاميين العرب (المغرب والجزائر وتونس) والمقيمين في فرنسا وأوروبا عموماً ضد ماكرون.

وسبق للأخير أن اتهم الاستخبارات التركية بتبنّي أعمال تخريبية في بلاده وأوروبا عموماً، في الوقت الذي يرى فيه الكثيرون في موقف باريس، التي اعترفت بالإبادة العثمانية ضد الأرمن عام  1915 وإعلان الرئيس ماكرون (في شباط/فبراير 2019) 24 نيسان/أبريل من كل عام، يوم حداد وطني إحياءً لذكرى هذه الإبادة، من أهم أسباب العداء بين الطرفين. مع التذكير بالسبب الآخر، وهو ذو جذور تاريخية، حيث كانت فرنسا ومعها بريطانيا تحتلان أرض الأناضول بعد سقوط الدولة العثمانية 1918. كما كانت فرنسا ومعها بريطانيا طرفاً أساسياً في اتفاقية سيفر (آب/أغسطس 1920) وهدفها إقامة دولة كردية في المنطقة.

ومع تصدّي أتاتورك لهذه الاتفاقية وإفشالها بعد قيام الجمهورية التركية عام 1923 ومساعي باريس لكسب ودّ أنقرة من جديد، ومن خلال التعاون معها في قضية لواء اسكندرون (1938 – 1939) فقد بقي الاهتمام الفرنسي بالكرد من أهم أسباب الفتور والتوتر بين الطرفين وما زال. فقد دعمت باريس وما زالت تدعم حزب العمال الكردستاني بنحو مباشر أو غير مباشر، وهو ما تفعله مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، واستقبل ماكرون (تموز/يوليو الماضي) ومن قبله هولاند (شباط/فبراير 2015) البعض من قياداتها العسكرية والسياسية في الإليزيه.

وأما دعم فرنسا (ومعها الإمارات ومصر و”إسرائيل” وأحيانا السعودية) التقليدي لليونان والقبارصة اليونانيين، فقد كان هو الآخر وما زال من أهم أسباب الفتور والتوتر بين أنقرة وباريس التي تتضامن مع نيقوسيا وأثينا في خلافاتهما مع أنقرة حول العديد من القضايا، وأهمها مشاكل المياه الإقليمية في بحر إيجة، والبحث والتنقيب عن الغاز في جوار قبرص، وهو ما تعترض عليه أنقرة، وباسم القبارصة الأتراك، كما ترفض الحديث عن إبادة الأرمن.

ومع انتظار نتائج الجولة الثامنة من مباحثات النووي الإيراني (وزيارة فيصل المقداد وطحنون بن زايد لطهران الأحد والإثنين) والأهم من ذلك، لقاء الرئيسين بايدن وبوتين (7 كانون الأول/ديسمبر) سيستمر الرئيس ماكرون في تحركاته الإقليمية التي يريد لها أن تحقق لباريس مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية، عشيّة انتخابات الرئاسة المقبلة، وبعد أن خسر صفقة الغواصات مع أستراليا بتآمر من بريطانيا وأميركا ضده. ويكتسب التوقيت الزمني لهذه الانتخابات معنى آخر بالنسبة إلى تركيا، لأن جولتها الثانية ستكون في 24 نيسان/أبريل، ذكرى الإبادة الأرمنية.

ويسعى ماكرون للخروج من هذه الانتخابات منتصراً، بعد أن يحقق أهدافه في لبنان بالتنسيق مع الرياض، التي يريد لها محمد بن سلمان أن تعود طرفاً رئيسياً في معادلات المنطقة، في مواجهة الأطراف الآخرين الذين استغلوا عزلة السعودية بعد جريمة خاشقجي، وأرادوا أن يقنعوا واشنطن بأنهم الأهم. ويفسّر ذلك تحالف الإمارات وقطر على حدة مع مصر وتركيا الدولتين المهمتين إقليميا والمتنافستين تاريخياً والعدوتين عقائدياً والمتفقتين بنحو غير مباشر على مواجهة الدور الإيراني في المنطقة عموماً.

ويفسّر أيضاً تحالف الجميع ضد دمشق في بداية الأزمة عام 2012 عندما كانت باريس ولندن وبرلين وواشنطن على اتصال دائم مع أنقرة للتخلص من الرئيس الأسد، وتوقّع إردوغان سقوطه خلال أشهر، ليقول في أيلول/سبتمبر 2012 “إنه سيصلّي قريباً في الجامع الأموي”. فالتقت حسابات الجميع، وفي مقدمتهم تركيا وفرنسا، في سوريا وعبرها في لبنان، وكأنهم كانوا وما زالوا يقولون جميعاً، بمن فيهم ماكرون وإردوغان، “أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب”، ولكن من دون أن يكون واضحاً من هو الأخ ومن هو ابن العم، ولماذا لبنان المقاومة هو الغريب في مسرحية الغرب التي لكلٍ فيها دوره بحسب المكان والزمان اللذين يحدّدهما صاحب مقولة “أنا” ولا يريد لأحد غيره أن يقول “وأنا أيضاً”!

المصدر: الميادين نت

Views: 1

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي