رئيس أوكرانيا مُحبط من بدء تخلّي أمريكا وأوروبا عنه رُضوخًا لتهديدات بوتين وحُشوده؟ كيف ستكون الصين الرّابح الأكبر؟ وما هي الأسلحة الروسيّة الجديدة التي تخشاها إدارة بايدن؟ ولماذا لا نستبعد أن يُواجه حُلفاء أمريكا العرب المصير الأوكراني نفسه؟
عندما يُعبّر فلاديمير زلنسكي رئيس أوكرانيا عن استيائه وإحباطه وخيبة أمله إزاء “تحفّظ” الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي على انضمام بلاده إليهما فورًا، حسب وعود سابقة، والانتظار 30 عامًا للانضمام إلى الأوّل (الاتحاد الأوروبي)، و50 عامًا لدُخوله الثاني (حلف الأطلسي)، فهذا يعني تخلّي الولايات المتحدة وحُلفائها الأوروبيين عن بلاده، والرّضوخ لمطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتهديداته.
الازمة الأوكرانيّة بدأت في الأساس بسبب غضب الرئيس الروسي من تدخّل الولايات المتحدة في أوكرانيا، وتبنّيها رئيسها زلنسكي ومطالبه بالانضمام إلى حلف “الناتو” والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يُشكّل تهديدًا للأمن القومي الروسي، وقاعدتها النوويّة الأبرز، فأوكرانيا كانت جُزءًا من الاتحاد السوفييتي وتُشكّل الفناء الجنوبي لروسيا، وتحوّلها إلى قاعدةٍ عسكريّة لحلف “الناتو” بالتّالي يعني طعن روسيا في مقتل.
***
في القمّة الافتراضيّة التي انعقدت قبل أيّام عبر الفيديو بين الرئيسين الامريكي والروسي لبحث الأزمة الأوكرانيّة، والحُلول الدبلوماسيّة للخُروج منها تجنّبًا للحرب انتهت بتوجيه الإنذارات المُتبادلة، فالرئيس بوتين طالب بايدن بتقليص الوجود العسكري الأمريكي والغربي قُرب حُدود بلاده، وفي أوروبا وآسيا، بما في ذلك الشرق الأوسط وكوريا الجنوبيّة واليابان، وهدّد بأنّ أيّ صفقات أسلحة أمريكيّة حديثة لاوكرانيا يعتبر “إعلان حرب”، بينما رد الرئيس بايدن بالتهديد بأنّ أيّ غزو روسي لأوكرانيا سيؤدّي إلى فرض عُقوبات اقتصاديّة على روسيا غير مسبوقة، أبرزها طردها من نظام “سويفت” المالي الأمريكي.
بايدن يُريد جر روسيا إلى حرب في أوكرانيا على غرار توريطها في الثمانينات في حرب أفغانستان، أي شن حرب بالإنابة، وجلوس أمريكا في المقعد القيادي الخلفي، واقتصار دورها على التجنيد والتمويل والتسليح، تجنّبًا لسُقوط أيّ عسكري أمريكي.
الرئيس بوتين يعي جيّدًا هذا المخطط الأمريكي، ولهذا يُريدها مُواجهة مُباشرة، وليس بالإنابة، مع واشنطن وحلف الناتو، إذا كانت الحرب هي الخِيار الأخير، ويُدرك جيّدًا أن إدارة بايدن لا تُريدها وتتهرّب منها، لأنها لن تفوز فيها بسبب التفوّق العسكري الروسي، حسب اعتقاده، ونجاحه في تطوير أسلحة جديدة أكثر فتكًا، لا يُوجد لها مثيل في الترسانة الأمريكيّة.
الرئيس بوتين، وحسب تحليلات الكثير من الخُبراء العسكريين الغربيين، يُريد إعادة بناء “روسيا التاريخيّة” القويّة، وإعادة ضم مُعظم جمهوريّاتها التي انسلخت عنها في الأيّام والأعوام الأخيرة لانهيار الإمبراطوريّة السوفييتيّة في نهاية الحرب الباردة، ونتيجة للضغوط الأمريكيّة، ويختلف عن غيره، أيّ بوتين، من القادة الروس في قُدرته على اتّخاذ قرار الحرب، ولهذا اتّسم عهده بالمُواجهات العسكريّة في الشيشان عام 2000، ثم التدخّل في جورجيا عام 2008، وسلخ إقليمين من أراضيها “أوسيتيا الجنوبيّة” و”أبخازيا” وإعلانهما جمهوريتين مستقلتين، ثمّ التدخّل عسكريًّا وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014، ثمّ في سورية عام 2015.
حشد بوتين أكثر من 175 ألف جندي وألف دبّابة على حُدود شرق أوكرانيا الشماليّة، وأجرى جيشه مُناورات على بُعد 50 كيلومترًا منها، كان رسالة تهديد واضحة لأمريكا تقول “نحن لا نخاف الحرب ولا نتردّد في خوضها إذا تدخّلتم في أوكرانيا حديقتنا الخلفيّة، وحاولتم توسيع حلف الناتو على حُدودنا الجنوبيّة (أوكرانيا) والغربيّة في (دول البلطيق).
ألكسندر نزاروف الخبير العسكري الروسي الشّهير كشف في مقال نشره يوم أمس، ونقله موقع “روسيا اليوم” كشف فيه عن سلاحين روسيين جديدين تخشاهما واشنطن:
-
الأوّل: غواصة روسيّة (بوسويدون) تملك رأسا نوويًّا يبلغ حجمه 100 ميغاطون، قادر على خلق تسونامي يبلغ ارتفاع أمواجه 300 متر وقادر على اكتساح كل شيء أمامه لمئات الكيلومترات وهُطول أمطار بالكوبلت المُشع ممّا يجعل منطقة بحجم 1700 كم وعرض 300 كم غير قابلة للعيش فيها لعشرات آلاف السنين.
-
الثاني: الصواريخ النوويّة “فرط صوتيّة”، أو الأسرع من الصّوت بعشرة أضعاف على الأقل، القادرة على ضرب أيّ مكان في الولايات المتحدة أو قواعدها في المُحيطين الهندي والأطلسي.
لا أحد يستطيع أن يتنبّأ بالتطوّرات المُستقبليّة، ولكن اشتعال فتيل المُواجهة بين روسيا وأوكرانيا على أرضيّة الأزمة الأوكرانيّة، سواءً محدودة أو شاملة سيكون مدمرًا، ونقطة تحوّل رئيسيّة في تاريخ البشريّة، وستخرج الصين الرابح الأكبر، وستتربّع على عرش العالم على أنقاض الإمبراطوريّتين الأمريكيّة والروسيّة معًا.
نحن لا ننفي القُدرات الضّخمة لهذه الإمبراطوريّة الأمريكيّة، عسكريًّا واقتصاديًّا، ولكن ربّما يغيب عن مؤسّسة صناعة القرار فيها، أنها لم تعد القوّة العُظمى المُنفردة التي تُسيطر على العالم، وتتدخّل في شُؤونه كيفما تشاء، خاصّةً بعد هزائمها المُذلّة في أفغانستان والعِراق وسورية، وأن التحالف الروسي الصيني المُتصاعد بات البديل الأقوى لها على خريطة القوّة العالميّة.
تراجع أمريكا وحُلفائها الاوروبيين عن ضم أوكرانيا لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي لنصف قرن قادم إذا ما تأكّد، ويبدو أنه كذلك، هو رفع الرّايات البيض والاستِسلام للرئيس بوتين، وخُضوع لإملاءاته، ومثلما قد تتخلّى أمريكا عن أوكرانيا الأوروبيّة اليوم ستتخلّى حتمًا عن حلفائها العرب في المشرق والمغرب، وربّما عن إسرائيل أيضًا، والمسألة مسألة وقت وتوقيت.. والأيّام بيننا.
Views: 4