الكاتب: كريم فهيم
المصدر: واشنطن بوست
تزعم “هيئة حرير الشام” أنها قطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة قبل خمس سنوات وإنها تهاجم الجماعات المتطرفة الأخرى.
يحاول الإعلام الأميركي مجدداً تسويق “هيئة تحرير الشام” الإرهابية، الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا، على أنها أصبحت تنظيماً سورياً محلياً معارضاً يقوم بإدارة شؤون الناس في محافظة إدلب، بعدما فك ارتباطه بـ”القاعدة” وخفف من قيوده الدينية على المجتمع.
وكتب كريم فهيم، مراسل صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية من مدينة إدلب، تحقيقاً قال فيه إن مسلحن إسلاميين هاجموا المحطة الإذاعية لسنوات، لأنها تبث الموسيقى، ولأنها وظفت نساء، “لأن قيمها الليبرالية شكلت تحدياً لرجال سوريا المتحمسين الحاملين للبنادق. لكن في الآونة الأخيرة، توقفت الهجمات على الإذاعة، ويحاول جلادوها – وهم جماعة متشددة تابعة للقاعدة تسمى هيئة تحرير الشام – إقناع السوريين والعالم بأنها لم تعد متطرفة أو قمعية مثلما كانت سابقاً”.
وأضاف الكاتب أن هيئة تحرير الشام قد “اكتسبت سمعة سيئة قبل عقد من الزمان باعتبارها أقوى تشكيل إسلامي للمتمردين يحاول الإطاحة بحكومة الرئيس السوري . وجاء التنظيم ليمثل قوى الظلام التي انتشرت خلال الحرب في سوريا: حركة جهادية اجتذبت مقاتلين متطرفين من جميع أنحاء العالم وسعت إلى إقامة دولة إسلامية”.
وتابعت الصحيفة: “اليوم يقول التنظيم إن تركيزه قد تحول إلى تقديم الخدمات لملايين الأشخاص في محافظة إدلب السورية التي يسيطر عليها المتمردون من خلال حكومة وليدة. وقطعت الهيئة العلاقات مع القاعدة قبل خمس سنوات وتقول إنها تهاجم الجماعات المتطرفة الأخرى. مؤسس هيئة تحرير الشام (أبو محمد الجولاني)، الجهادي المخضرم الذي كان يرتدي زياً عسكرياً في كل مكان، يتم تصويره هذه الأيام وهو يرتدي بدلات”.
وقال عبد الله كليدو، الرئيس التنفيذي للمحطة الإذاعية، التي تدعى “راديو فريش”: “هذا الفصيل الذي اعتاد على مضايقتنا يحاول أن يظهر للناس أنهم معتدلون. إنهم يحاولون تنظيم الأشياء بحيث تظهر على صورة الدولة”.
وزعمت “واشنطن بوست” أن التجربة التي تكشفت في إدلب تقدم نظرة نادرة على كيفية تحول حركة متشددة وتغيير اسمها من أجل البقاء. ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن هيئة تحرير الشام كانت عملية، حيث أدركت أنها بحاجة إلى حشد الدعم المحلي. لقد كانت تجري حساباتها، مستخدمة الخطاب حول مكافحة التطرف على أمل جذب الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي لا تزال تصنفها على أنها جماعة إرهابية.
وأضاف الكاتب أن هدف الهيئة هو “ضمان بروزها بين كوكبة الأحزاب المتنافسة على السلطة في سوريا ما بعد الصراع من خلال جعل نفسها “لا يمكن الاستغناء عنها”، كما قال عروة عجوب، كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث العملياتي، وهو شركة استشارية للمخاطر السياسية.
وتابع: “يتساءل الكثيرون في إدلب عن الدولة التي يبنيها المسلحون بسرعة فائقة ولكن مع مساهمة قليلة أو معدومة من الجمهور. تم تحويل المحافظة – ليس بعد إلى دولة ولكن مكان يستقر في إجراءات روتينية منظمة. يقف ضباط المرور عند التقاطعات. تنقل الحافلات طلاب المدارس والركاب. يصطف المواطنون في الوزارات أو شركات المرافق، في المهمات الضرورية والدنيوية”.
وأشار الكاتب إلى أن “حكام إدلب كانوا أقل فاعلية في تخفيف مصاعب الحياة اليومية في منطقة محاصرة حيث مخيمات الخيام المترامية الأطراف هي موطن لأعداد كبيرة من النازحين السوريين. فقد فشلت الحكومة (المعارضة) في تثبيت التضخم، وأثارت احتجاجات بفرض ضرائب على مزارعي الزيتون لزيادة الإيرادات من رسوم الاستيراد. كما يستمر اعتقال الصحافيين وغيرهم ممن ينتقدون الحكومة أو هيئة تحرير الشام بسبب تلك الانتقادات”.
وخلال بضع سنوات، كانت منظمات حقوق الإنسان توثق الفظائع المرتبطة بهيئة تحرير الشام، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية التي قتلت المدنيين وعمليات التعذيب والإعدام. وقال كليدو إن جبهة النصرة بدأت “في صراعات مع فصائل مسلحة أخرى، وبدأوا جميعاً في التهام بعضهم البعض”.
وقالت الصحيفة إن تلك الحقبة العنيفة قد بدأت في التراجع قبل بضع سنوات، ولكن ليس قبل أن تحصد ضحية أخرى من إذاعة “راديو فريش” حيث قُتل مؤسس المحطة، رائد فارس، في عام 2018 مع زميل له عندما قام مسلحون برش سيارته بالرصاص. وألقى زملاؤه باللوم على “هيئة تحرير الشام” التي نفت مسؤوليتها.
حالياً، خف التهديد من مختلف الفصائل المتمردة. قال كليدو، مشيراً إلى هيئة تحرير الشام: “الآن، هناك فصيل واحد فقط يسيطر على الوضع. ويبدو أنها حريصة على كسب التأييد الشعبي”، نقلت الصحيفة. وزعم أنه في إحدى المؤشرات، فإن “ضباط شرطة الأخلاق” التابعين للهيئة الذين كانوا يفصلون الأزواج ويتحرشون بالنساء بسبب لباسهم، لم يعودوا مرئيين في الشوارع. “لكن بينما خفف المتشددون من الإيديولوجية الدينية، فإنهم ضاعفوا من البيروقراطية”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “حجر الزاوية في جهود إعادة تسمية هيئة تحرير الشام هو ما يسمى بـ”حكومة الإنقاذ”، التي لديها وزارات تشرف على الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات للجمهور”. وقال عجوب إن الجماعة قررت تشكيل هذه الحكومة في الوقت الذي انفصلت فيه عن القاعدة، وعندما بدأت هيئة تحرير الشام في تهميش المتشددين داخل الحركة “الذين اعتقدوا أن الجهاد العابر للحدود هو خيارهم الوحيد”.
وأضاف أنه في الوقت الذي “سعت فيه هيئة تحرير الشام إلى إنهاء وضعها كدولة منبوذة دولياً، أرادت أن تُظهر أنها تسيطر على السكان المحليين وتعمل على حل المشكلات”.
وأوضحت “واشنطن بوست”: “لكن منذ البداية، كان هناك شك في أن هذه الحكومة ليست أكثر من واجهة لهيئة تحرير الشام. كانت هناك شكوك كذلك حول ما إذا كان لديها القدرة على إدارة مقاطعة من شأنها أن تختبر حتى الحكام الأكثر قدرة. لا تزال الحرب ممزقة في إدلب، وحوالى مليوني شخص – نصف السكان – نازحون ويكافحون للعثور على الطعام والمأوى”.
محمد خالد، المتحدث باسم هيئة تحرير الشام، وصف العلاقة بين التنظيم و”حكومة الإنقاذ” بأنها “شراكة” وقال إنه تم تصورها في عام 2016 لتوفير حياة كريمة لسكان إدلب وكذلك لإظهار أن هناك “بديلاً للنظام” في دمشق.
تبذل السلطات قصارى جهدها لتصوير هذه الحكومة على أنها مستقلة عن هيئة تحرير الشام. عندما زار الصحافيون وزارة السجل المدني أخيراً وسألوا عن سبب وجود منشورات على جدران عدة تطلب مقاتلين لهيئة تحرير الشام، قال المسؤولون إن الملصقات كانت “قديمة”. في غضون نصف ساعة ، تمت إزالة المنشورات.
في وزارة الداخلية، يبدو التقسيم المضطرب للسلطة بين الحكومة وهيئة تحرير الشام واضحاً. وتتحكم الوزارة اسمياً في بعض الوظائف الأمنية، مثل تنظيم قواعد المرور وإدارة التحقيقات الجنائية. لكن الأمور الأمنية الأخرى – مثل تلك المتعلقة بـ”الأمن القومي” – تقع ضمن اختصاص هيئة تحرير الشام، بحسب الوزير أحمد لطوف.
وقال عجوب، أحد الباحثين العديدين الذين جادلوا بأن الاستبداد أصبح السمة المميزة للهيئة، إن القضايا المتعلقة بـ”الحرب والسلام والاقتصاد” لا تزال تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. وأوضح أن الهيئة استخدمت سلطتها في قمع الجماعات المتمردة المنافسة، بما في ذلك الفصائل المتطرفة، واحتجاز الجهاديين الأجانب العاملين في إدلب. لكنها لاحقت كذلك أولئك الذين تعتبرهم أعداء لها، بمن فيهم النقاد العاديون.
وأضاف أنه بعد أن كتب صحافي يدعى أدهم الدشارني منشوراً على فيسبوك قبل بضعة أشهر يشكو فيه من أن “حكومة إدلب” ترفض منحه بطاقة صحافية، تلقى استدعاءً للحضور إلى “وزارة الإعلام” التابعة لها. وقال في مقابلة عبر الهاتف إن مستجوبيه سألوه لماذا أدلى بتعليقات غير محترمة حول حكومة الإنقاذ واتهموه بالتواصل مع آخرين انتقدوا هيئة تحرير الشام. أثناء محاكمته، احتُجز في سجن في مبنى للكهرباء في مدينة إدلب. أطلق سراحه بعد أن قضى حكماً بالسجن 15 يوماً.
وكان الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام” قد أجرى في شباط / فبراير 2021 مقابلة مع الصحافي الأميركي مارتن سميث في إدلب، ولم يكن يرتدي زيه الشامي التقليدي أو عمامته ولم يكن يحمل بندقيته بل ارتدى بدلة رسمية.
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت
Views: 3