يبدو أن 2022 سيكون عاماً مهماً في رحلة البشر لاستكشاف الفضاء، من إنشاء أميركا مستعمرة على القمر إلى إكمال الصين محطتها الفضائية، بينما ترسل أوروبا وروسيا مركبات إلى المريخ، وتنطلق الرحلات السياحية الفضائية.
كانت الأيام الأخيرة من 2021 قد شهدت إطلاق “تلسكوب جيمس ويب الفضائي”، على اسم الرئيس الثاني لوكالة ناسا الأميركية، والذي استغرق إنشاؤه عقدين من الزمن وبلغت تكلفته 9.69 مليار دولار أميركي، ويقولون إنه سيُغيّر إدراكنا للكون وأسراره.
ويتواصل سعي البشر لاكتشاف أسرار الكون العميقة دون توقف منذ نجاح الروس والأميركيين في الوصول إلى القمر قبل أكثر من 6 عقود، ومؤخراً انتقل الصراع بين القوى الكبرى من الأرض إلى السماء، وسط مخاوف من عسكرة الفضاء.
لكن يبدو أن 2022 سيكون عام الفضاء بامتياز، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية عنوانه “إلى القمر وما أبعد من ذلك: ما الذي يجلبه عام 2022 لرحلات الفضاء؟”، يرصد وصول العديد من البرامج الكبرى إلى منصة الإطلاق خلال الأشهر الاثني عشر القادمة.
بداية إنشاء مستعمرة أميركية على القمر
ومن المقرر أن تعود الولايات المتحدة إلى القمر خلال العام الحالي، وتنفذ مجموعة من المهام التي تهدف إلى إنشاء مستعمرة قمرية في غضون سنوات قليلة. ومن المتوقع أن تكمل الصين محطتها الفضائية تيانجونغ، بينما ستحاول أوروبا وروسيا إرسال مركبة فضائية إلى المريخ، بعدما فشلت كل المحاولات السابقة. ومن المقرر أيضاً أن ترسل الهند وكوريا الجنوبية واليابان عدداً من البعثات إلى الفضاء.
سيشهد العام الجديد تركيزاً خاصاً على نظام الإطلاق الفضائي الجديد التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا). هذا هو أقوى صاروخ صممته على الإطلاق، وبنته لنقل رواد الفضاء إلى القمر وما أبعد من ذلك، ضمن برنامج “أرتميس” لاستكشاف الفضاء العميق. ومن خلال هذه المهام، تعتزم ناسا إعادة فتح النظام الشمسي أمام البشر للبحث- بدلاً من المسابير الآلية- ونقل رواد الفضاء بانتظام إلى سطح القمر.
من المقرر إطلاق البرنامج لأول مرة في فبراير/شباط، عندما يحمل صاروخ نظام الإطلاق الفضائي -الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 300 قدم (91 متراً)- كبسولة أوريون بدون طيار على مسار سيدخل في مدار إهليلغي حول القمر.
وعند أقرب نقطة اتصال، ستمسح مركبة الفضاء مسافة 62 ميلاً (99.77 كيلومتر) من سطح القمر قبل أن ترتفع 40 ألف ميل (أكثر من 46 ألف) فوقه، وهي مسافة ستأخذها بعيداً عن الأرض لمسافة أكبر مما قطعته أية مركبة فضائية مصممة للإنسان.
وستُزوَد كبسولة أوريون -المصممة لحمل ما بين أربعة وستة رواد فضاء عندما تعمل بطاقتها كاملة- بوحدة خدمة أوروبية ستوفر القوة والدفع؛ لتمكين الكبسولة من المناورة في المدار.
وسيعطي هذا الشركة المُصنِّعة لها -وكالة الفضاء الأوروبية- الفرصة لتصبح شريكاً رئيسياً في مهمات أرتميس المستقبلية. وإذا نجحت مهمة فبراير/شباط، فستخرج رحلة بالطاقم كاملاً حول القمر في عام 2024، وسيتبع ذلك هبوط على القمر في عام 2025، بعد فجوة زمنية مدتها 53 عاماً منذ هبوط مركبة “أبولو 17″، آخر مهمة بشرية إلى القمر، على وادي توروس ليترو في ديسمبر/كانون الأول 1972.
وهذه المرة سيضم الطاقم امرأة واحدة على الأقل وستكون المهمة بداية لبرنامج يهدف إلى إنشاء مستعمرة قمرية، حيث سيعمل رواد الفضاء في مهمات لمدة أشهر ويطورون تقنيات يمكن للمستعمرات المستقبلية على المريخ استخدامها.
والهدف الرئيسي للبؤرة الاستيطانية القمرية الأولى هو فوهة شاكلتون، التي تقع بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، والتي يُعتقَد أنها تحتوي على خزانات من الجليد. إذ لن يوفر الماء قوتاً ثميناً لرواد الفضاء فحسب، بل يمكن استغلاله مصدراً للهيدروجين والأوكسجين -عن طريق التحليل الكهربائي- ويمكن دمجهما لتوليد وقود للصواريخ.
مخزون المياه على القمر
وستبدأ ناسا أيضاً برنامجاً ضخماً من مهام الروبوت من خلال مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية، التي تبلغ قيمتها 2.6 مليار دولار. وسيشمل ذلك إرسال أسطول من المركبات الفضائية الآلية إلى القمر، وتبدأ أولى المهام هذا العام.
وستحاول هذه المسابير الآلية، التي صنعتها شركات خاصة، بدعم من وكالة ناسا، رسم خرائط لمخزونات المياه الجوفية، ودراسة عمق القمر الداخلي، وإطلاق مركبات متجولة آلية للبحث في سطح القمر. وسترسل شركة الفضاء حديثة العهد Astrobotic مركبة الهبوط Peregrine المصممة حديثاً إلى لاكوس مورتيس -أو “بحيرة الموت”- وهي سهل من الصخور البازلتية في الجزء الشمالي الشرقي من القمر.
وستنقل المركبة 11 حمولة مختلفة من الأدوات وستتبعها شركة أمريكية أخرى، Intuitive Machines، التي سترسل مركبة فضائية تحمل ست حمولات إلى محيط العواصف على القمر.
ومن المقرر إرسال 12 مهمة أخرى ضمن مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية خلال السنوات الثلاث المقبلة، على الرغم من أنَّ رئيس قسم العلوم في وكالة ناسا، توماس زوربوشن، حذر من أنَّ هذه الجهود الممولة من القطاع الخاص تواجه مخاطر عالية بالفشل، مرجحاً أنَّ ما يصل إلى نصفها قد يخطئ.
وفي مهمات إضافية، تخطط كل من روسيا والهند لإطلاق مركبات هبوط على القمر خاصة بهما العام المقبل، بينما من المقرر أن تضع كوريا الجنوبية قمراً صناعياً في مدار القمر لدراسة تكويناته المعدنية.
البحث عن حياة فضائية على المريخ
سيأخذ البحث عن حياة فضائية خطوة إلى الأمام هذا العام مع إطلاق مهمة ExoMars الأوروبية الروسية المشتركة، التي ستُنزِل روبوتاً متجولاً على أوكسيا بلانم، وهو سهل بعرض 125 ميلاً (201 كيلومتر) من الطين في نصف الكرة الشمالي للكوكب.
وستُزوَد المركبة -التي سميت على اسم روزاليند فرانكلين، الكيميائية البريطانية ورائدة أبحاث الحمض النووي- بمثقاب قادر على الفحص لعدة أقدام تحت سطح المريخ، حيث من المأمول أنَّ أشكال الحياة البدائية أو على الأقل بقايا الكائنات المنقرضة قد نجت. وبُنِيَت المركبة الجوالة التي يبلغ وزنها 660 رطلاً (300 كيلوغرام تقريباً) بواسطة شركة Airbus Defense and Space، في منشأة الشركة بالمملكة المتحدة. وتحدَّد موعد الإطلاق في 22 سبتمبر/أيلول، ومن المتوقع الهبوط في 10 يونيو/حزيران 2023.
ومع ذلك، فإنَّ آمال نجاح المهمة حذرة؛ إذ لم يحالف روسيا ولا أوروبا أي حظ في الهبوط على المريخ. فقد فشلت 19 مهمة روسية وسوفييتية ومحاولتان أوروبيتان للهبوط على الكوكب الأحمر؛ وضمن ذلك مركبة الإنزال الأوروبية Schiaparelli، التي كان من المفترض أنها تجريبية لمهمة ExoMars الحالية، لكنها تحطمت على هذا الكوكب في عام 2016.
ستكون المهمة الأكثر إثارة للكويكبات هي محاولة ناسا اختبار نظام دفاع عن الأرض مضاد للكويكبات. وأُطلِقَت مركبة اختبار إعادة توجيه الكويكبات المزدوجة “دارت” في العام الماضي، وستصطدم بالقمر الكويكبي ديمورفوس في سبتمبر/أيلول. وسيحاول المسبار الذي يبلغ حجمه 1340 رطلاً (607 كيلوغرامات) -أي بحجم سيارة صغيرة- وهو يندفع نحو هدفه بسرعة 15000 ميل (24140 كيلومتراً) في الساعة، تغيير مدار ديمورفوس، وهو كتلة صخرية بحجم ملعب كرة قدم، يدور حول الكويكب الأم، ديديموس.
وفي حال نجاحها، ستحظى ناسا ووكالات الفضاء الأخرى بالتشجيع اللازم لمتابعة المهمة من خلال تطوير مركبة يمكن أن تُحرِّف كويكباً أكبر متجهاً نحو الأرض، وبالتالي تجنبنا تأثيراً مشابهاً لأرمجدون (نهاية العالم)، كما يقول علماء الفلك. في حالة تحطم كويكب بحجم ديمورفوس على الأرض، فإنه سيؤدي إلى انفجار يعادل 400 إلى 600 ميغا طن من مادة تي إن تي. وقالت إيلينا آدامز، مهندسة أنظمة مهمة دارت، لدورية Science: “مدينة مثل مانهاتن ستتعرض للتدمير الكامل. وبهذا نهدف لإظهار خطة لإنقاذ العالم”.
ولدى ناسا خطط لإرسال العديد من المهمات إلى كويكبات أخرى في العام المقبل، وضمن ذلك إطلاق المسبار “سايكي”. ومن المقرر أن تقلع المركبة الفضائية في أغسطس/آب المقبل، وستزور كويكباً يُدعى “سايكي 16” يُعتقَد أنه النواة المتبقية من الكوكب. وهذه الكتلة الضخمة من النيكل والحديد هي بقايا اصطدام عنيف بجسم فلكي آخر جرَّد الكوكب من طبقاته الخارجية وترك أحشاءه المعدنية مكشوفة. وستمنح دراسة الكويكب العلماء فرصة غير مسبوقة لفحص نواة كوكب. وستتيح لهم أيضاً فرصة استكشاف نوع جديد من العالم؛ وهو عالم مصنوع من المعدن.
رحلات سياحية إلى الفضاء
ستحاول شركة “بوينغ” المُصنّعة للطائرات التجارية والعسكرية وأنظمة الأمن والفضاء نقل كبسولة طاقم المركبة الفضائية “ستار لاينر” إلى المدار حتى تتمكن من البدء في نقل رواد الفضاء من وإلى محطة الفضاء الدولية. وفشلت رحلة عام 2019 في الوصول إلى المحطة وأُلغيت محاولة أخرى في العام الماضي، في اللحظة الأخيرة عندما فشل فتح صمامات الوقود.
وتخطط “بوينغ” الآن لإطلاق “ستار لاينر” من دون طاقم في أوائل عام 2022، تليها رحلة تجريبية مع رواد فضاء في وقت لاحق من العام الجاري. وبعد ذلك، ستستخدم الكبسولة، مع سفينة الفضاء “كرو دراغون” التابعة لشركة “سبيس إكس”، في جولة لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
من جانبها، يُتوقَع أن تكمل الصين محطتها الفضائية تيانجونغ -بمعنى قصر السماء- بعد إطلاق أولى وحداتها الثلاث الرئيسية، تيانهي، في أبريل/نيسان 2021، ثم ستضيف الوحدتين وينتيان ومينغتيان هذا العام.
وأعربت الصين عن أملها في إبقاء محطتها الفضائية -التي هي أصغر بكثير من محطة الفضاء الدولية- مأهولة باستمرار بثلاثة رواد فضاء لمدة عقد على الأقل. وستكون المهمة الرئيسية لأفراد الطاقم هي خدمة تلسكوب الفضاء Xuntian، الذي سيُطلَق في عام 2024 وسيدور في تشكيل مع محطة تيانجونغ. وتلسكوب الفضاء Xuntian مزودة بمرآة بنفس حجم تلسكوب هابل الفضائي تقريباً، وتتضمن مهامه استكشاف المادة المظلمة والطاقة المظلمة، إضافة إلى تكوين المجرات وتطورها.
نجحت كل من شركة “بلو أوريغن” -التي أسسها الملياردير مالك أمازون، جيف بيزوس- وشركة فيرجن غالاكتيك (التي أنشأها السير ريتشارد برانسون) في إطلاق أول رحلات جوية شبه مدارية في العام الماضي. وأعربت كلتاهما عن توقعات ببدء مهمات منتظمة في عام 2022، لتوفير تجربة بضع دقائق من انعدام الوزن لمجموعات سياحية قبل العودة إلى الأرض.
Views: 3