Smiley face Smiley face Smiley face

واشنطن احتلَّت التنف و”داعش” اقتلع الشبكة.. سوريا وحتمية الربط السككي مع العراق….بقلم زياد غصن

واشنطن احتلَّت التنف و”داعش” اقتلع الشبكة.. سوريا وحتمية الربط السككي مع العراق

عاد مشروع الربط السككي ليتصدَّر مجالات التعاون الاقتصادي المزمع تفعيلها خلال الفترة القادمة بين دمشق وبغداد.

بخلاف ما يُشاع سياسياً وإعلامياً، فإنَّ الحديث عن مشروع الربط السككي بين سوريا والعراق ليس وليد سنوات الأزمة السورية، وإن كانت المتغيرات الإقليمية الأخيرة أسهمت في تعزيز أهمية تنفيذ المشروع بأسرع وقت ممكن، فالرغبة السورية في تحقيق ربط بين شبكتي الخطوط الحديدية في البلدين تعود إلى ما قبل سنوات الأزمة، إذ مثّل، إلى جانب مشروع تصدير النفط والغاز العراقيين عبر المرافئ السورية، أحد أهم مشروعات التعاون التي تتصدّر الاجتماعات الحكومية بين الجانبين طيلة تلك الفترة.

حماس السوريين للمشروع انطلق من 3 عوامل رئيسيّة، تشكّل بمجملها ضمانات مؤكدة بإمكانية تحقيق عوائد اقتصادية مجزية للبلدين:

– العامل الأوّل يتعلّق بواقع شبكتي الخطوط الحديدية في كلا البلدين، فالشبكة السورية كانت تربط مرفأ طرطوس بمنطقة خنيفس في تدمر، حيث مناجم الفوسفات الشهيرة. وتالياً، إن المسافة التي تفصلها عن منطقة التنف الحدودية لتحقيق الربط مع الشبكة العراقية لم تكن تتجاوز أكثر من 110 كم.

أما في الجانب العراقي، فإنَّ المسافة الفاصلة بين آخر محطة لشبكة الخطوط الحديدية والحدود السورية هي الأقل، إذ كانت تبلغ حوالى 80 كم. ووفقاً لهذا الواقع، وقّع الجانبان آنذاك على مذكّرة تفاهم تضع المشروع على سلّم أولويات التعاون المشتركة.

– العامل الثاني محوره ارتفاع المستوردات العراقية عبر مرفأ طرطوس، وهو ما جعل الحكومة السورية تتجه في تلك الفترة إلى اتخاذ إجراءات “إسعافية”، مثل صيانة الأوتوستراد الدولي الذي يربط طرطوس بحمص ودمشق، وشقّ طرقات فرعية خاصة بالشاحنات المحملة بالبضائع، لكنَّ عينها كان على الربط السككي، باعتباره يمثل حلاً اقتصادياً وبيئياً مجدياً، فهو من جانب سيساعد على تسريع عمليات نقل البضائع المتجهة إلى العراق وخفض كلفتها. ومن جانب آخر، سيكون له أثر كبير في مضاعفة حجم الواردات العراقية السنوية عبر المرافئ السورية.

– العامل الثالث يذهب نحو المساعدة على انسياب المبادلات التجارية بين الجارين وزيادة حجمها، في ظلِّ الرغبة المشتركة آنذاك في العمل على تأسيس منطقة تجارة حرة ثنائية، وتحوّل السوق العراقية إلى هدف أول للصادرات السورية الزراعية والصناعية، فضلاً عن الفوائد المتأتّية من إمكانيّة تحقيق الربط مع إيران، والَّذي من شأنه كذلك تحريك معدلات التبادل التجاري المتدنية بين دمشق وطهران، وفتح مجالات أوسع للتعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، وخصوصاً في ملف الطاقة.

لكن، ولأسبابٍ كثيرة، بعضها مرتبط بالأوضاع الداخلية العراقية والضغوط الأميركية، بقي المشروع خلال العقد الأول من القرن الحالي حبراً على ورق، بانتظار الظرف المناسب لتنفيذه، والذي أعاقه مع بدايات العقد الثاني دخول سوريا في أزمتها الكارثية. وشهدت الأخيرة على مدار سنواتها المستمرّة مراحل مفصليّة، أهمها ظهور تنظيم “داعش” وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي السّورية والعراقية، وإقامة الولايات المتحدة الأميركية قواعد عسكرية لها في سوريا بشكل غير شرعي، وفي مقدّمتها قاعدة التنف. ومن بين أهدافها الكثيرة، إجهاض السيناريو المقترح سابقاً للربط السككي بين دمشق وبغداد، ومنع إعادة تأهيل أنابيب النفط العراقية المتوقفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، في حين تكفّل تنظيم “داعش” بتخريب أجزاء الشبكة العراقية واقتلاعها، وتحديداً المقطع القريب من الحدود مع سوريا!
أكثر من حاجة سورية

ومع تمكّن الحكومة السّورية، مدعومة بحلفائها، من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، بما فيها منطقة البادية والقسم الأكبر من الحدود مع العراق، اعتمدت الحكومة السورية استراتيجية جديدة لإعادة تأهيل شبكة الخطوط الحديدية الوطنية وتطويرها، وإصلاح الأضرار التي تعرّضت لها خلال سنوات الحرب.

ووفقاً لما جاء في الاستراتيجية الموزّعة على 4 مراحل، تم في المرحلة الأولى إدراج مشروع يتمثل بـ”دراسة وتنفيذ خط حديدي جديد من محطة البصيرة على محور مهين – الشرقية باتجاه منطقة التنف على الحدود السورية العراقية بطول 156 كم تقريباً، وتجهيزه بنظام إشارات واتصالات حديث لاستكمال محور النقل الدولي (الترانزيت) طرطوس- حمص – البصيرة – التنف – العراق – إيران ودول الخليج العربي، ما يساهم في زيادة أحجام النقل الدولية العابرة باتجاه المرافئ السورية ومنها، ويؤدي إلى تحقيق فوائد مالية كبيرة تساهم في التنمية الاقتصادية، من خلال العائدات الكبيرة التي سيحقّقها النقل الدولي”.

كما تمَّ إدراج مشروعٍ في المرحلة الثانية، يتمثّل بـ”استكمال تنفيذ خطّ حديد دير الزور – البوكمال – الحدود العراقية. هذا الخط يعتبر الجزء الأخير ضمن الأراضي السورية من محور النقل الدولي غرب – شرق (اللاذقية – حلب – دير الزور – البوكمال)، ومستقبلاً (طرطوس – حمص – الشرقية – تدمر – دير الزور – البوكمال) من أوروبا عبر الموانئ السورية إلى سوريا والعراق والخليج العربي، من خلال ميناء البصرة وإيران إلى دول شرق آسيا. وقد تمت المباشرة بتنفيذ هذا الخطّ بتاريخ 1/11/2000، بطول 142.841 كم، وتوجد عليه 6 محطات رئيسية هي: الطابية والميادين والبحرة والمسلخة والغرانيج والبوكمال، وبلغت نسبة الإنجاز 92.27%”.

وبذلك، عاد مشروع الربط السككي ليتصدَّر مجالات التعاون الاقتصادي المزمع تفعيلها خلال الفترة القادمة بين دمشق وبغداد، ومن دون انتظار خروج القوات الأميركية من المناطق التي تحتلّها في شرق البلاد أو عودة الدولة السورية إلى منطقة الجزيرة، حيث توجد وحدات “قسد” الكردية المدعومة أميركياً. واللافت هذه المرة أنَّ المشروع المذكور بات يشكّل فائدة اقتصادية وجيوسياسية لأربع دول هي:

– سوريا التي تسعى، إلى جانب رغبتها في زيادة معدلات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع كل من العراق وإيران، لتعزيز حضور مرافئها في خريطة التجارة الشرق أوسطية، رغم العقوبات الأميركية، ومحاولة سدّ الطريق على المشروعات الغربية والإقليمية الرامية إلى تعويم المرافئ التركية والصهيونية كمنافذ بحرية وحيدة لتجارة الترانزيت بين أوروبا والعراق والأردن ودول الخليج. وستتضح أكثر أهميّة هذا الربط مع إعادة فتح الطريق الدولي الذي يربط مدينتي اللاذقية وحلب، والمعروف باسم “M4″، واستعادة الحكومة سيطرتها على المنطقة الشرقية.

وتظهر البيانات الرسمية أنَّ مؤشرات تجارة الترانزيت تراجعت من حوالى 5.5 ملايين في العام 2005 إلى حوالى 711 ألف طنّ في العام 2010، ثم عادت للتحسّن في العام 2013، لتبلغ حوالى 3.8 ملايين طن، قبل أن تبدأ بالتراجع في الأعوام التالية، جراء تأثيرات الحرب وخروج المعابر الحدودية عن سيطرة الحكومة، إذ حقَّقت في العام 2016 حوالى 233 ألف طنّ.

ومع استعادة السيطرة على المعابر الرئيسية مع الأردن والعراق، تحسَّنت التجارة في العام 2019 لتصل إلى 326 ألف طنّ، وهو تحسّن محدود نتيجة الضغوط الأميركية على الدول المجاورة، للحيلولة دون توسيع مجالات تعاونها مع سوريا.

– روسيا التي تستثمر حالياً مرفأ طرطوس عبر شركة خاصّة، ومن مصلحتها تنفيذ الربط لتنشيط عمل المرفأ من خلال زيادة المستوردات العراقية، وتحويله على المدى المتوسط إلى مركز إقليمي لتوزيع السلع والمنتجات الروسية، ولا سيّما القمح. كما أنَّ المشروع قد يفتح للشركات الروسيّة مجالات جديدة للاستثمار في السوق العراقية.

– العراق الذي يرى في البحر المتوسط منفذاً استراتيجياً له على العالم، وخصوصاً أنَّ مرحلة ما بعد خروج القوات الأميركية ستشهد اهتماماً داخلياً أكبر بتحسين الأوضاع الاقتصادية واستثمار الثروات العراقية، بما يخدم عملية إعادة الإعمار وتأمين احتياجات السوق الداخلية بتكاليف أقل.

– أما إيران الساعية لتوسيع منافذ تجارتها مع العالم لمواجهة العقوبات الأميركية، فإنَّ دخولها في مشروع الربط السككي مع كلٍّ من العراق وسوريا سيتيح لها فرصة الوصول إلى البحر المتوسط، وتالياً تأمين وصول صادراتها إلى الأسواق الأوروبية في أقصر وقت وأقلّ تكلفة، والأهم زيادة معدلات تبادلها التجاري مع كل من العراق وسوريا.
مناورة سورية

يقوم السّيناريو السوري البديل للربط السككي مع العراق على تحويل مسار المشروع القديم من مدّ سكة حديد تربط الشبكة الواصلة إلى منطقة خنيفيس بالتنف، حيث لا تزال القاعدة الأميركية موجودة، إلى مد سكة حديد بطول 300 كم، وذلك بمحاذاة الطريق البري الذي يربط منطقة خنيفيس في مدينة دير الزور، ثم معبر القائم على الحدود مع العراق.

وبهذا، تكون سوريا قد تغلَّبت على المحاولات الأميركية لعرقلة تنفيذ الربط. ومع الخروج الحتمي للقوات الأميركية من التنف، يمكن آنذاك إعادة تنفيذ المشروع بصيغته الأولى. وبذلك، تكون دمشق قد وفّرت شبكة نقل سككي للبضائع والركاب تتجاوز وظيفتها الحاجة السورية لخدمة دول أخرى في المنطقة وشرق آسيا، وخصوصاً مع الإعلان مؤخراً عن تحقّق الربط السككي بين إيران والعراق، والَّذي من شأنه الدفع نحو إنجاز الربط مع سوريا ليحقّق المشروع بعده الاقتصادي الأكبر.

وبحسب المعلومات الأولية، أبدى الجانبان الإيراني والروسي استعدادهما لتنفيذ المشروع بمساره الجديد في الأراضي السورية، والذي لا تقلّ كلفته عن 500-600 مليون دولار، بحسب تقديرات بعض المهتمّين.
خطر الاعتداء الإسرائيلي

الإصرار السوري على تحقيق الربط السككي مع العراق وإيران، يقابله حالياً إصرار أميركيّ إسرائيليّ على عدم السماح بحصول ترابط اقتصادي بين دمشق وبغداد وطهران. ولذلك، من غير المستبعد نظرياً أن تقوم الطائرات الإسرائيلية، بدعم أميركي، بالاعتداء على شبكة الخطوط الحديدية المزمع إنشاؤها، وهناك أكثر من سابقة جغرافية في هذا السياق، مثل حوادث الاعتداء المتكررة على منطقة القائم وبعض المناطق الحدودية مع العراق، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن فاعلية الدور الروسي هنا، وإمكانية تحركه لمنع الإضرار بمشروعٍ سيكون أحد أبرز المستفيدين منه على المدى الطويل.

المصدر: الميادين نت

Views: 6

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي