هل ستُنقذ زيارة أردوغان للإمارات الاقتِصاد والليرة التركيّة؟ وما هو المُقابل؟ ولماذا قد “تتحسّس” مِصر والسعوديّة وقطر من هذا “الاختِراق” التركي؟ وما هي فُرص استِدراج أنقرة للدّخول في حرب اليمن؟
يصل الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الاثنين إلى أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربيّة المتحدة في زيارةٍ رسميّة عُنوانها الأبرز تطوير العُلاقات التجاريّة والسياسيّة بين البلدين، بعد خلافاتٍ عاصفة وصلت إلى درجة اتّهامه للحُكومة الإماراتيّة بالوقوف خلف مُحاولة الانقلاب العسكريّة صيف عام 2017، وتهديده بسحب السّفير التركي من العاصمة الإماراتيّة احتجاجًا على توقيع اتّفاق “سلام أبراهام” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي.
حُكومة أردوغان تُواجه صُعوبات اقتصاديّة مُتفاقمة عُنوانها الأبرز ارتفاع نسبة التضخّم إلى أكثر من 36 بالمئة وخسارة الليرة حواليّ 40 بالمِئة من قيمتها في الأشهر الأخيرة، ولهذا وضع سياسة “المُناكفة” جانبًا، و”جمع” طُموحاته في إعادة إحياء دولة الخِلافة الإسلاميّة بزعامته، اعتمادًا على أحزاب الإسلام السّياسي، وبات يبحث عن المال والصّفقات التجاريّة، لوقف حالة التّراجع لشعبيّته، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه لمصلحة أحزاب المُعارضة التي تزداد شعبيّتها قوة مع اقتِراب الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة (عام 2023).
قيادة الإمارات أدركت هذه الحقيقة جيّدًا، أيّ سعي الرئيس التركي للصّفقات التجاريّة، وبادرت بالتحرّك في الوقت المُناسب لفتح قنوات الحِوار، وإرسال الشيخ طحنون بن زايد مُستشار الأمن القومي إلى أنقرة للقاء الرئيس أردوغان صيف العام الماضي، حامِلًا وعدًا بإنشاء صندوق استِثماري بحواليّ 10 مِليارات دولار كخطوة أولى، وتبعه الشيخ محمد بن زايد وليّ العهد، والحاكم الفِعلي للدولة، بزيارةٍ إلى أنقرة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على رأس وفد تجاري وإعلامي ضخم حظي باستقبالٍ حافل.
الرئيس أردوغان مهّد لزيارته لأبو ظبي بنشر مقال باسمه في صحيفة “خليج تايمز” الإماراتيّة أكّد فيه على رغبته في مُضاعفة العُلاقات التجاريّة “مرّتين” بين البلدين التي يبلغ حجمها حاليًّا حواليّ 10 مِليارات دولار سنويًّا ومن غير المُستبعد أن يتم الاتّفاق أثناء هذه الزّيارة على تطوير التّبادل التجاري بحيث يشمل صفقات عسكريّة أبرزها شِراء الإمارات طائرات “بيرقدار” المُسيّرة المُتطوّرة، درّة الصّناعة العسكريّة التركيّة.
هذه الزّيارة للرئيس التركي قد تُثير العديد من الحساسيّات السياسيّة في منطقة الخليج، وربّما منطقة الشّرق الأوسط أيضًا، وخاصَّةً في دولةٍ مِثل مِصر التي فشلت كُل مُحاولات الرئيس التركي لإعادة العُلاقات كاملةً معها، بِما في ذلك لجم محطّات المُعارضة التلفزيونيّة في إسطنبول، وتقليص أنشطة حركة “الإخوان المسلمين” على الأراضي التركيّة، ولعَلّ السّبب في “بُطء” هذا التّقارب هو غِياب الثّقة، خاصَّةً في الجانب الرّسمي المِصري، بالرئيس التركي وسِياساته التي تُوصف بـ”التقلّب” حسب ما جاء على لسان مسؤولين في الحُكومة المِصريّة.
دولة قطر التي أقامت علاقات استراتيجيّة مع تركيا، والرئيس أردوغان، كان من أبرز معالمها استِضافة قاعدة عسكريّة تركيّة على أراضيها، وآلاف الجُنود الأتراك ستنظر بعين الرّيبة إلى هذه الزيارة، والتطوّر المُتسارع في العُلاقات التركيّة الإماراتيّة، خاصَّةً أن المُصالحة الإماراتيّة القطريّة ما زالت “خداج” أيّ “شكليّة” وضعيفة، رغم توقيع البلدين اتّفاق المُصالحة في مدينة “العُلا” السعوديّة مطلع العام الماضي، ورغم اللّقاء المُباشر بين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والشيخ محمد بن زايد على هامِش افتِتاح دورة بكين الرياضيّة والأولمبيّة الأسبوع الماضي، فقطر التي قدّمت أكثر من 50 مِليار دولار مُساعدات واستِثمارات للرئيس أردوغان لم تستطع دفع المزيد في ظِل أعباء الاتّفاق على البُنى التحتيّة لتَجهيزات كأس العالم.
وما يُقال عن قطر يُمكن أن يُقال عن المملكة العربيّة السعوديّة أيضًا، فالرئيس أردوغان أعلن أكثر من مرّةٍ أنه سيزورها هذا الشّهر (شباط) أو مارس المُقبل، ولكن لم يأتِ أيّ تأكيد لها، أو تحديد لموعدها، من الطّرف السعودي حتّى الآن فمُعظم حُكّام الخليج يتصافحون ويتعانقون ويُظهرون ما لا يُبطِنون، وما في القلب يظَل في القلب.
الأمر المؤكّد أن الرئيس أردوغان سيعود من زيارته إلى أبو ظبي مُحَمَّلًا باتّفاقات استثماريّة وتجاريّة ضخمة، وربّما أيضًا بزعيم المافيا سادات بكر، الذي بثّ أكثر من ثمانية أشرطة فيديو تحدّث فيها عن جرائم الفساد وأعمال القتل وتهريب المخدّرات والسّلاح وغسل الأموال التي تورّط فيها العديد من المسؤولين النّافذين في الحُكومة التركيّة، وبعض أفراد عائلة الرئيس وخاصَّةً صِهره براءات البيرق وزير الماليّة الأسبق، ووزير داخليّته القوي سليمان صويلو، وقد أوقف سادات بكر كُل أنشطته وفيديوهاته، واختفى عن الأنظار بعد تحسّن العلاقات بين الضّيف والمُضيف، فعندما تتصالح الأنظمة تكون المُعارضات هي الضحيّة، وتاريخ المنطقة حافِلٌ بالأمثلة في هذا المَيدان.
إذا كان التقارب مع “إسرائيل” وتوثيق العلاقات التجاريّة والأمنيّة والعسكريّة معها هو القاسم المُشترك بين الجانبين الإماراتي والتركي هذه الأيّام، الذي انعكس بزيارة الرئيس إسحق هيرتزوغ قبل أسبوعين، وقبله نفتالي بينيت رئيس الوزراء للإمارات، فإنّ الأوّل، أيّ هيرتزوغ، على وشك أن يشدّ الرّحال إلى أنقرة في زيارةٍ رسميّة بعد “قطيعة” دامت سنوات على أرضيّة مجزرة قافلة مرمرة، فإن التعاطي مع الملف السوري يظل موضع خِلاف بين البلدين، وإن كان ليس بالقُوّة، فالإمارات أعادت فتح سفارتها في العاصمة السوريّة، وقام وزير خارجيّتها الشيخ عبد الله بن زايد بزيارتها حاملًا دعوةً رسميّة من شقيقه وليّ عهد أبو ظبي لزيارة الإمارات، بينما تركيا ما زالت تحتلّ أراضي سوريّة وتدعم المُعارضة السوريّة المسلّحة.
السّؤال المطروح بقُوّةٍ على هامش هذه الزيارة الأردوغانيّة: هل ستُنقذ هذه الزيارة الاقتصاد والليرة التركيّة وتوقّف تراجع شعبيّة حزب العدالة والتنمية الحاكم حسب استِطلاعات الرأي الأخيرة، وبما قد يُؤدّي إلى فوزه في الانتِخابات العامّة المُقبلة في العام المُقبل؟
من الصّعب الإجابة على هذا السّؤال، بالنّسبة إلينا على الأقل، أننا نكتب هذا المقال قبل بدء الزيارة، ولكن ربّما يكون حجم الصّفقات والاستِثمارات مُرتبطًا بالمُقابل الذي ستحصل عليه الإمارات من الضّيف التركي، وفي الملفّين اليمني والإيراني، ومدى استِعداد تركيا للتدخّل إلى جانب التحالف السعودي الإماراتي، بصفقات الأسلحة، أو إرسال قوّات ومُسيرّات، واحتِمال التدخّل التركي غير مُستَبعد رُغم التّاريخ التركي الحافِل بالخسائر والهزائم في اليمن.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 6