أعلنت روسيا، أمس، أنها تمكّنت من الحصول على ضمانات أميركية مكتوبة، بأن لا تؤثر العقوبات المفروضة عليها على خلفية الأزمة الأوكرانية، على إمكانية تعاونها مع إيران في إطار الاتفاق النووي. ضماناتٌ، وإن كان كلا الجانبَين يتأمّل أن ينتفع منها اقتصادياً، إلّا أنه لم يتّضح بعد ما إذا كانت كافية وحدها لإعادة تحريك عجلة مفاوضات فيينا، والدفع في اتجاه التوصُّل إلى صيغة الاتفاق النهائية، في ظلّ الحديث المتكرِّر عن «قضايا ما زالت عالقة»، والاتهامات الإيرانية لواشنطن بافتعال عقبات غير ذات صلة، من شأنها تأخير إحياء الصفقة. وفي وقت برزت فيه رهانات غربية على إمكانية أن تؤدي المطالب الروسية المستجدّة إلى شقاق بين موسكو وطهران، جاء لقاء ممثّلي العاصمتَين أمس ليضرب تلك الرهانات، ويُظهر أن الجانبَين ماضيان قُدُماً في تطوير علاقاتهما إلى مستوى الشراكة والتحالف، في مشروع لا تخفى دلالاته وسط التحوّلات المتسارعة على مستوى العالم
باتت عبارة «نحن أقرب إلى الاتفاق، غير أن ثمّة قضايا مهمّة ما زالت عالقة»، لازمة تكرّرها، هذه الأيام، الأطراف المشاركة في محادثات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، فيما يبقى من غير الواضح متى سيصبح الاتفاق ناجزاً للتوقيع عليه. وعلى رغم ما يُقال من أن مسوّدته باتت جاهزة، غير أن الخلافات حالت دون التوصُّل إليه، بعدما توقّفت المحادثات الأسبوع الماضي. وفي هذا الخضمّ، فإن تصریحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في شأن «الحصول على ضمانات نصيّة من واشنطن بأن لا تعيق العقوبات التعاون في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)»، قد تكون إشارةً إلى أن الصفقة باتت وشيكة. وكانت القوى الغربية اتهمت، روسيا، بربط الأزمة في أوكرانيا بالاتفاق النووي، عبر سعيها إلى الحصول على ضمانات تكفل عدم المساس بالتعامل بينها وبين الجمهورية الإسلامية، خصوصاً بعد العقوبات الغربية الأخيرة على موسكو، والتي قد تمثّل عقبةً على طريق التوصّل إلى صفقة نهائية. وفيما لم تسحب روسيا هذا المطلب خلال أسبوع، ستبحث الولايات المتحدة عن بدائل، من بينها الاتفاق الموقّت مع طهران، فيما تحمّل الأخيرة واشنطن مسؤولية اتخاذ القرار النهائي.
على هذه الخلفية، توجّه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أمس، إلى موسكو لعقد لقاء مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف. وأعلن الأخیر، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني، أن «روسيا تلقّت تأكيدات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات لن تمنع التعاون مع إيران في إطار الاتفاق النووي». وقال إن بلاده تدعم الإسراع في العودة إلى الالتزام بالاتفاق، مؤكداً أن روسيا لا تعيق مفاوضات فيينا، وأن اتهامات واشنطن في هذا الشأن غير صحيحة. وأضاف لافروف: «اتّفقتُ مع نظيري الإيراني على تجاوُز تأثير العقوبات الغربية، وسنوقّع اتفاقاً مشتركاً يحِّدد مبادئ تعاوننا على الساحة الدولية». من جانبه، قال الوزير الإيراني: «أجرينا محادثات بنّاءة، وبحثنا مسار المفاوضات المتعلّق بالنووي الإيراني، وليست هناك أيّ صلة بين الأحداث في أوكرانيا وتطوير علاقتنا بروسيا، وموسكو ستظلّ تدعم طهران، على رغم التحفّظات الأميركية». وأضاف: «إذا تراجعت واشنطن عن مطالبها المبالغ فيها في شأن إيران، سنشارك في محادثات فيينا بطريقة بنّاءة أكثر، والتأخير في المحادثات يخلق أرضية للحفاظ على مصالحنا».
وفي تطوّر آخر يخصّ البرنامج النووي الإيراني، أعلنت طهران، أمس، تأسيس قيادة الحرس الثوري النووي لحماية المنشآت النووية في البلاد، بالتزامن مع الكشف عن توقيف «شبكة تخريب تابعة لإسرائيل». وهذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها التأكيد رسمياً على تولّي الحرس حماية المنشآت النووية.
المصالح المشتركة لإيران وروسيا
بحسب يوسف عزيزي، الباحث في شؤون وضع السياسات العامة – الحكومية في جامعة فيرجينياتك الأميركية، فإن طلب روسيا من الولايات المتحدة الحصول على ضمانات للتعامل مع إيران، يصبّ في خانة مصالح طهران ومطالبها. وقال الباحث، في حوار مع «الأخبار»، إن لإيران وروسيا مشاريع مشتركة للتعاون في المجالات العسكرية والنووية، وإن الأولى تريد الإفادة من مجمل الطاقات الاقتصادية لما بعد إحياء الاتفاق النووي. وإن كان مقرّراً أن تمنع العقوبات الغربية الجديدة على روسيا، موسكو من التعاون مع طهران، فإن ذلك سيعود بالضرر على كلا الطرفين، لذا، تصبح مفهومة محاولتهما الحصول على ضمانات. وأضاف عزيزي أن الصين وروسيا اللتين تبحثان عن تعاون بعيد الأمد مع إيران، وحتى إنهما وقّعتا اتفاقات معها في هذا الإطار، لديهما دوافع قوية للاستثمار فيها بعد إحياء الاتفاق النووي، وهما قلقتان من العقبات التي تضعها واشنطن على هذا الطريق. وتعقيباً على أسباب توقُّف محادثات فيينا، قال: «يبدو أن الأزمة الأوكرانية التي زادت من الحاجة الأميركية إلى إحياء الاتفاق النووي، دفعت إيران إلى أن تطرح مواقفها السابقة بضرورة زيادة عدد الأشخاص والكيانات التي يجب أن تُرفَع من قائمة العقوبات الأميركية، بمزيد من التأكيد».
تلقّت روسيا تأكيدات من الولايات المتحدة بأن العقوبات لن تمنع تعاونها مع إيران في إطار الاتفاق النووي
ورأى الباحث أنه كلّما تباطأت إدارة جو بايدن في العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، واجهت ظروفاً أصعب في الداخل وعلى الصعيد الدولي، وأنه ليس هناك سيناريو يخدم مصالح أميركا وباقي الأطراف، أفضل من التوصّل إلى الاتفاق. وعن آثار الأزمة الأوكرانية على الانطباعات الأمنية الإيرانية وتعميق سياسة التحوّل شرقاً، أشار إلى أن «إيران تعتبر نفسها لاعباً مستقلاً في المنطقة، لكن بما أن الولايات المتحدة وأوروبا قطعتا، خلال السنوات الأخيرة، الطريق على التعامل السياسي والاقتصادي المنطقي معها، فإنها تحوّلت، بناءً على ذلك، صوب روسيا والصين، فضلاً عن أن مركز النظام الدولي، آخذ في التحوّل من الغرب إلى الشرق، وبالأحرى، فإن السياسات الغربية دفعت بالدول المستقلّة في الشرق إلى التحرّك في اتجاه ضرب من الاتحاد».
الحاجة المتبادلة إلى إحياء الاتفاق
أما رحمان قهرمانبور، الكاتب والمحلّل السياسي في طهران، فاعتبر أن التحدّي الذي تمرّ به الإدارتان الإيرانية والأميركية يتمثّل في أنهما يجب أن تتمكّنا من الدفاع عن الاتفاق المحتمل أمام المعارضين في الداخل. وعليه، فإنهما في صدد الحصول على المزيد من التنازلات وإعطاء القليل منها. ولفت قهرمانبور، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «إدارة رئيسي في إيران، ونظراً إلى بعض الاحتجاجات الصادرة عن الأصوليين الراديكاليين على الموضوعات المتسرّبة عن مسوّدة التوافق في فيينا، معنيّة بالتوصّل إلى اتفاق يمكن الدفاع عنه. ولهذا السبب، تلحّ على رفع معظم العقوبات، توازياً مع الحصول على ضمانات من أميركا ينتفع منها الاقتصاد الإيراني، ويكفل عدم تكرار تجربة أعوام 2015 إلى 2018، لأن الافتراض في إيران قائم على أنه كلّما كانت مطبات مسار انسحاب أميركا من الاتفاق أكثر، كان ثبات ودوام الاتفاق النووي أكبر». ومن جهة أخرى، رأى قهرمانبور أن «إدارة بايدن، وفي الظروف التي تُتهم فيها من قِبَل الجمهوريين بعدم الحزم تجاه الأزمة الأوكرانية، قلقة من أن يؤدّي منح المزيد من التنازلات لإيران، إلى لجوء الجمهوريين إلى ذرائع أخرى لتقويض الديموقراطيين في الانتخابات النصفية للكونغرس. وبناءً على ذلك، فإن بايدن يسعى إلى أن تكون التنازلات التي يعطيها لإيران، مقبولة في الداخل الأميركي». وبحسب المحلِّل السياسي، فإن أهمية الاتفاق النووي، سواء بالنسبة إلى إيران أو الولايات المتحدة، قد تراجعت مقارنة بعام 2015، لكن ولأنه لا يوجد بديل أفضل منه، ونظراً إلى أجواء عدم الثقة السائدة بين طهران وواشنطن وتغيّر المناخ الدولي عقب الحرب الأوكرانية، فإنهما توصّلتا إلى استنتاج مؤدّاه أنه من غير الممكن، في الظروف الحالية، إيجاد صفقة أفضل من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وتوقَّع قهرمانبور ألّا يطول التوقّف الحاصل في المحادثات كثيراً، لكنه لم يستبعد، في الوقت ذاته، إمكانية الفشل الكامل للمحادثات، ولا سيما في ظلّ تزايد التصعيد الناجم عن الأزمة الأوكرانية.
Views: 4