عاد ملف مُقاضاة المصارف الى الواجهة مجدداً مع ارتفاع وتيرة القرارات القضائية التي طاولت حتى الساعة 6 مصارف، ما دفعَ جمعية المصارف الى التداعي لجمعية عمومية تعقد اليوم حيث من المتوقع ان تعلن على أثرها الاضراب. وهذا الوضع قد يشل مرافق كثيرة، ويعطّل الاعمال في هذه الحقبة الدقيقة.
يبدو انّ معركة الاقتصاص من المصارف قد انطلقت، فقد شهدنا في الاونة الاخيرة قرارات قضائية صدرت من أكثر من قاض لمقاضاة المصارف على خلفية تخلفها عن اعطاء المودعين ودائعهم. صحيح انّ ما يحصل يشفي غليل بعض المودعين الذين عانوا طوال العامين المنصرمين، عقب اعلان الدولة اللبنانية الافلاس والتوقف عن الدفع، انما هل ينبغي بالمودع ان «يحتفل» بما يجري ام عليه ان يخاف؟ وهل يجب التعاطف مع من يربح قضائياً في وجه المصارف او يجب ان ننظر الى فوزه هذا على انه انتصار له وحده على حساب بقية المودعين لأنّ الاموال بالعملات الصعبة التي لا تزال متوفرة لدى المصارف محدودة وكل من يتمكن من اخراج وديعته من المصارف بالدولار يكون أخذ من حصة غيره غير القادر على التصرف بأمواله، إما لأن ليس لديه امكانات مالية تسمح له بتوكيل محام قادر على الاستحصال على قرارات من المحاكم باسترداد وديعته دون سواه من المودعين، او لأن ليس لديه جنسية أجنبية لمقاضاة المصارف على غرار ما حصل مع أحد المودعين البريطانيين الذي استحصل من المحكمة العليا البريطانية على قرار قضائي بدفع ما يقارب 4 ملايين دولار لصالح أحد المودعين.
انكشاف القطاع المصرفي ووضعه في وجه القضاء دَفعَ بجمعية المصارف للدعوة الى عقد جمعية عمومية اليوم مع توجّه إلى اتخاذ خطوات تصعيدية اعتباراً من الأسبوع المقبل، بما فيها إعلان الإضراب العام، «إذا لم تتخذ السلطات السياسية التدابير الآيلة إلى الكف عن المخالفات القانونية في حق المصارف ووقف التمادي الفاضح لبعض الجهات، لا سيما القضائية، في مخالفة القوانين والاستمرار في الممارسات التعسفية والغوغائية التي تؤدي إلى الفوضى القضائية». وعليه، ما ستكون تداعيات قرار الاضراب على المودعين؟ هل نشهد اغلاقات للمصارف في وجه المودعين، وحصر السحوبات مثلاً من الـ ATM فقط؟ كذلك هل سيتأثر سعر الصرف في حال اعلان الاضراب وانتقال عمليات التحويلات المالية الكبيرة أكان من قبل التجار والمضاربين نحو الصيارفة بما من شأنه ان يخلق ضغطاً على الليرة ويؤدي الى تدهورها مجدداً مقابل الدولار؟ وهل ما يحصل اليوم هو نتيجة عدم اقرار الكابيتال كونترول واهماله طيلة السنتين الماضيتين؟
يؤكد رئيس منظمة جوستيسيا للإنماء وحقوق الإنسان بول مرقص لـ«الجمهورية» ان توجّه المصارف للاضراب ليس وليدة الساعة انما نَضج منذ اسابيع قليلة مع تسارع القرارات والممارسات التي اتخذتها القاضية غادة عون مروراً بالقرارات التي صدرت من قبل قضاة تنفيذ في حق عدد من المصارف، بحيث تصاعدت وتيرة المطالبة بالإضراب داخل الجمعية في ظل عجز السلطة السياسية عن إيجاد الحلول الجذرية للأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد بموجب خطة تنفيذية واضحة المعالم. وبالتالي، فإنّ هذا الاضراب اذا أقرّ من شأنه ان ينعكس سلباً على المودعين من حيث صعوبة الحصول على السيولة اللازمة اذ انه حتى ولو بقيت آلات الصراف الآلي تعمل فلا يمكنها ان تستوعب حاجات السوق، خصوصاً التجار والمواطنين الراغبين بالإستفادة من خدمات مصرفية لا تؤمنها هذه الآلات. إنطلاقاً من ذلك نحن نخشى مما سبق ان حذّرنا من تداعياته مراراً ألا وهو صدور قرارات قضائية جزئية افرادية بينما العلاج يجب ان يكون جذريا عبر السياسات العامة التي لم توضع بعد قيد التنفيذ، وهي الوحيدة القادرة على وضع البلاد على بوصلة الحل وليس اي قرارات قضائية افرادية. وشدد مرقص على ان هذا لا يعني كف يد القضاء عن ملاحقة اموال الفساد والقائمين به، لكن هذه الملاحقة يجب ان تكون مركزية وهادفة ومنسقة والا تعود بأي تأثير سلبي على مجمل القطاع المصرفي والمودعين تحديداً.
اما عن القرارات القضائية في حق المصارف وتداعياتها على المودعين، فيقول: بتنا نشهد مؤخرا قرارات قضائية متفرقة في حق المصارف، وان كنّا مع حماية حقوق المودعين وتحصيلها الا اننا نخشى من ان تأتي هذه القرارات القضائية، والتي وان كانت خلفية البعض منها حميدة وتهدف الى الانتصار لحقوق المودعين، مُؤذية لهم وترتد سلباً عليهم ان لم يكن الشخص المعني بالقرار كسائر فئات المودعين، اذ يمكن ان يكون القضاء انتصرَ لِحقّ مودِع معين انما قد يتخذ المصرف المعني قرارا بالتزام القرار القضائي وان لا يسهل الامور امام المودعين بحيث يُبقي على الحجز القائم ويمتنع عن التعاملات المصرفية وصولاً للاضراب في القطاع المصرفي ككل، فضلاً عمّا تبقى من مخاطر السمعة وتداعياتها على تعاملات المصارف المراسلة مع المصارف اللبنانية التي ستحاذر اكثر في تعاملاتها معنا.
التطورات القضائية
من جهة اخرى، وفي جديد التطورات القضائية التي يشهدها القطاع المصرفي، أصدرت القاضية غادة عون أمس قراراً بمنع سفر رئيس مجلس إدارة بنك «الاعتماد المصرفي» وتجميد أصول البنك في إطار التحقيق.
كما وضعَت إشارة منع تصرف على أسهم بنك «الاعتماد» وحصصه وعقاراته وسياراته في جميع الشركات التجارية، في الشكوى المقدَّمة ضدّ المصارف من مجموعة «الشعب يريد اصلاح النظام». وبذلك يكون الاعتماد المصرفي هو المصرف السادس الذي تتّخذ القاضية عون هذا التدبير في حقه بعد مصارف «بيروت» و«سوسييتيه جنرال» و«ميد» و«عوده» و«لبنان والمهجر».
الى ذلك، التزم فرنسبنك امس بالقرار القضائي القاضي بإلقاء الحجز التنفيذي على جميع أسهمه وعقاراته وموجوداته، والحجز على جميع موجودات فروع المصرف بما فيها الخزائن والأموال وخَتمها بالشمع الأحمر واغلق المصرف المذكور كل الصناديق في الفروع أمس واقتصر العمل على تحرير الشيك المصرفي، والحوالات ما بين المصارف، والتحويلات إلى الخارج للأموال الطازجة
Views: 1