أظهرت خطة الحكومة للسياسة المالية والاقتصادية التي تمّ تسريبها أخيراً، نية الحكومة الشطب من اموال المودعين التي تزيد عن 100 الف دولار، غربلة المصارف من خلال حلّ كافة البنوك غير القابلة للاستمرار في مقابل شطب 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية. ما يعني انّ الحكومة قرّرت تحميل الخسائر للمودعين والمصارف فقط بدل توزيعها ايضاً على القطاع العام ومصرف لبنان.
تؤكّد الخطة التي أعدّتها الحكومة لإنقاذ لبنان التزام الحكومة بإعادة الوضع السليم للقطاع المالي ومقومات استمراريته. وأشارت الى انّ اجمالي احتياجات إعادة رسملة النظام المصرفي تزيد عن 72 مليار دولار اي ما يزيد عن 300 في المئة من تقديرات الناتج المحلي الاجمالي لعام 2021. هذه الخسائر إذا لم توضع في الحسبان اولاً، وإذا لم تنفّذ استراتيجية تهدف الى اعادة النظام المصرفي الى وضعه الصحي، فلن نتمكن من استعادة الثقة بالقطاع او تهيئة الظروف لنمو اقتصادي قوي. ولتحقيق الهدف، اقرّ مجلس الوزراء استراتيجية ترمي لإعادة تأهيل المصارف، ويرتكز تنفيذها على تغييرات تشريعية صادق مجلس النواب عليها، والمتمثلة في إقرار قانون طارئ لإعادة هيكلة المصارف، موافقة مجلس النواب على مشروع قانون ضوابط رأس المال وحدود السحوبات والتغييرات التي ستطال قانون السرية المصرفية ليتوافق مع المعايير الدولية.
وتقول الحكومة في خطتها، كمرحلة اولية، سوف نعيد الى حدّ كبير تكوين رأس مال مصرف لبنان الى المستوى السليم. وفي هذا السياق تشير التقديرات التي أجريناها، الى ضخامة رأس المال السلبي المتراكم في مصرف لبنان حيث يزيد عن 60 مليار دولار، غير انّ القيمة الحقيقية بحاجة الى مزيد من التدقيق، فضلاً عن ذلك سوف يتكبّد مصرف لبنان خسائر اخرى من جراء إعادة هيكلة الدين الحكومي وتوحيد اسعار الصرف.
وتقول الحكومة، انّها سوف تشطب بادئ ذي بدء جزءاً كبيراً (نحو 60 مليار دولار) من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية إزاء البنوك التجارية، وذلك من أجل إغلاق صافي وضع المصرف في ما يتعلق بالعملات الاجنبية المفتوحة. وتتضمن الاستراتيجية التي صممتها، إعادة رسملة مصرف لبنان جزئياً بسندات سيادية قدرها 2.5 مليار دولار يمكن زيادتها اذا اتسق ذلك مع قدرة الدولة على تحمّل أعباء الدين العام. أما ما تبقّى من خسائر سلبية في رأس المال فسوف تُلغى تدريجياً على مدى 5 سنوات.
في المرحلة الثانية، سوف يستلزم الأمر إعادة رسملة البنوك التجارية القابلة للاستمرار بالتوازي مع حلّ البنوك غير القابلة للاستمرار، من أجل ايجاد نظام مصرفي يتوافق مع اقتصاد قوي في لبنان، ويكون نظاماً قادراً على دعم تعافي الاقتصاد الوطني. ومن الضروري اعادة رسملة البنوك التجارية، لتسوية الخسائر الناجمة عن اعادة هيكلة الديون السيادية والتزامات مصرف لبنان وتعثر محافظ القروض الخاصة بها ووقع توحيد سعر الصرف على ميزانيات هذه المصارف. وسوف يتطلب ذلك إسهامات كبيرة من المساهمين والدائنين للبنك من غير اصحاب الودائع. ومع ذلك لن يكفي لإعادة البنوك الى حالتها الصحية، لاسيما اذا نظرنا الى حجم الخسائر. وبالنظر الى عدم وجود خيارات اخرى سوف يستلزم الامر مساهمات ضخمة من كبار المودعين.
ترتكز استراتيجية القطاع المصرفي على المراحل والمبادئ الآتية:
– مراعاة تراتبية الحقوق عند استيعاب او امتصاص الخسائر، ويكون ذلك اولاً بشطب رأس المال وسندات المديونيات الثانوية ثم ودائع الأطراف ذات الصلة.
– حماية كل مودع في كل بنك في حدود تصل الى 100 الف دولار على الاقل، وفي تطبيق ما سبق، لن تشمل هذه الحماية أية زيادة رصيد طرأت على حساب المودع بعد تاريخ 31 آذار 2022.
– إكمال الرسملة الداخلية الشاملة للبنوك. سوف يعني ذلك في ما يتعلق بالودائع التي تتخطّى الحدّ الأدنى المستفيد من الحماية، اما تحويلها الى حصص ملكية او حذف جزء منها، كما تحويل جزء من ودائع العملات الاجنبية الى الليرة بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر سوق القطع . وتحقيقاً لهذه الغاية، فقد شرعنا في تقييم الخسائر وبنية الودائع لكل بنك على حدة، وذلك لأكبر 14 بنكاً (ما يمثل 83% من مجمل الاصول) عن طريق لجنة الرقابة على المصارف بمساعدة من شركات دولية مرموقة حسب المعايير المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي. اننا ملتزمون بإنجاز هذه التقييمات في نهاية شهر ايلول 2022.
– ضخ رأسمال جديد في البنوك القابلة للاستمرار: سوف يُطلب من المساهمين السابقين او الجدد او كليهما، الالتزام بضخ رأس مال جديد في البنوك التي اعتبرتها اللجنة قابلة للاستمرار بناءً على التحليل الرقابي لخطط عمل هذه البنوك بعد اعادة الرسملة الداخلية.
– من الممكن ان تتمّ إعادة الودائع المتبقية بالدولار او الليرة او كليهما بسعر يحدّده السوق.
– حل كافة البنوك غير القابلة للاستمرار عن طريق الإجراءات الفورية التي سوف تُطبّق بمقتضى القانون الطارئ لإعادة هيكلة المصارف.
– الحدّ من أي مسار يتسبب في اللجوء الى الموارد العامة بما يتماشى مع القدرة على تحمّل الدين وبصورة لا تهدف الّا الى تحسين الوضع الرأسمالي لمصرف لبنان.
شطب الودائع؟
وفي تعليقه على الخطة المقترحة، يقول المستشار المالي ميشال قزح لـ«الجمهورية»، انّ ابرز ما ورد في الخطة هو شطب 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، والتي هي عبارة عن ودائع المصارف في مصرف لبنان أي ودائع المودعين لدى المصارف.
اضاف: «ينقسم هذا المبلغ ما بين 20 مليار دولار هي أموال المصارف الخاصة (الرساميل)، و40 ملياراً سيتحمّلها المودعون. وقال: «انّ تطيير 40 مليار دولار من اصل 100 مليار (مجموع الودائع) فهذا يعني تطيير نحو 60 الى 70 في المئة من الودائع التي تزيد عن 100 الف دولار والتي تمثل كبار المودعين. كما تلفت الخطة الى انّ حماية كل مودع في كل بنك تصل الى حدود الـ100 الف دولار، على ألّا تشمل هذه الحماية اي زيادة رصيد تطرأ على حساب المودع بعد تاريخ 31 آذار 2022، بما يعني انّ كل رصيد بعد هذا التاريخ سيعود الى صاحبه بالليرة على سعر صرف سيتراوح ما بين 5000 و 8000 ليرة».
وأشار قزح الى انّ الخطوط العريضة المطروحة لهذه الخطة تتحدث عن ليلرة و bail in وهيركات للحسابات التي تزيد عن 100 الف دولار. ورغم انّ الخطة تقرّ حماية الاموال لحدود الـ100 الف دولار الّا انّها لم تحدّد إذا كانت هذه الاموال بالدولار منذ ما قبل 17 تشرين، وما اذا كانت ستشمل التحويلات الى دولار بعد 17 تشرين 2019. وكشف انّه من اصل 100 مليار دولار مجموع الودائع هناك نحو 35 ملياراً تحولت من بعد 17 تشرين 2019 من الليرة اللبنانية الى الدولار. وبرأي قزح، انّ هذه الحسابات ستُعاد الى اصحابها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 8000 ليرة للدولار، كذلك ستُعاد بالليرة انما وفق سعر صرف 5000 ليرة للدولار الحسابات التي تزيد عن 100 الف دولار وسبق لأصحابها ان استفادوا من الفوائد المرتفعة عليها. وكل ذلك يندرج ضمن خطة ليلرة الودائع، على ان ينخفض مجموع الودائع بعدها الى 60 مليار دولار ليُعاد خفضها مجدداً الى 30 ملياراً من خلال الليلرة و bail in.
وعمّا اذا كانت هذه الخطة المتبعة عادلة يقول قزح: «بالتأكيد لا. فالمطلوب اليوم ايجاد حلول قبل الاتجاه نحو الهيركات على المودعين وتحميلهم وحدهم الخسارة». وتابع: «في الواقع انّ ما يحصل اليوم هو انّ الطبقة السياسية تحمّل كل الخسائر للمودعين وتستثني الدولة ومصرف لبنان، فيما المطلوب توزيع عادل للخسائر، بحيث تقسّم فجوة الـ 73 مليار دولار على الأطراف الاربعة، على ان يُحمّل كل طرف 18 مليار دولار تتوزع ما بين مودعين ومصارف ومصرف لبنان والدولة. بينما هذه الخطة تحمّل الثلثين للمودعين (40 مليار دولار) والثلث للمصارف (20 ملياراً) ويبقى 12 ملياراً يتحمّلها مصرف لبنان».
وأكّد قزح انّ هذه الخطة لن تُقرّ على الاقل ليس قبل الانتخابات. والهدف من طرحها بهذه الطريقة حثّ المودعين على تصريف الشيكات في السوق.
Views: 3