4:07 AM 2022-05-13
أحمد الدرزي
لم تمضِ أكثر من 24 ساعة على إعلان زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، ولقائه المغلق مع المرشد السيد علي خامنئي، بحضور قائد “قوة القدس” إسماعيل قاآني والرئيس إبراهيم رئيسي، حتى أعلن السيد حسن نصر الله عن تهديد واضح وصريح لقادة “إسرائيل” بقصف أي سفينة أو شركة تعمل على استخراج النفط أو الغاز لمصلحتها من حقل كاريش على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، معلناً “الاستنفار والجهوزية التامة مقابل العدو الصهيوني على امتداد انتشار المقاومة وسلاحها”، بعد إعلان الكيان مناوراته العسكرية. وتلا ذلك إعلان صادر عن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية برفع حالة التأهب والجهوزية لكل أجنحتها وتشكيلاتها.
لم تكن زيارة الرئيس الأسد المفاجئة إلى طهران منفصلة عما يحدث على المستويين الدولي والإقليمي، فتداعيات الحرب في أوكرانيا ألقت بظلالها على سوريا، بعد أن انقسم العالم عمودياً بين غرب يعمل على استمرار ديمومة هيمنته على مسارات الاقتصاد والسياسة، وقوى آسيوية ناهضة من الصين وروسيا والهند إلى إيران، تعمل جاهدةً للقضاء على النموذج الغربي المهيمن الوحيد، والانتقال نحو نظام دولي جديد متعدد الأقطاب والسياسات والثقافات.
دفعت الحرب موسكو إلى تركيز جهودها على الحدث الأوكراني المفصلي، بما في ذلك الجهود العسكرية الروسية فيها، ما جعل قدرتها على القيام بمهامها في الساحة السورية أقلَّ من السابق، وهو ما أدى إلى تحويل جزء من مسؤولياتها العسكرية إلى الحليف الإيراني، بالتزامن مع بوادر انقلاب موسكو على “تل أبيب”، بعد وضوح الاصطفاف الإسرائيلي مع الجانب الأوكراني بشقّه النازي ودعمه.
المعطيات المستجدة أتاحت الفرصة لإعادة تقييم دمشق للوضع العسكري على المستوى الداخلي، وعلى رأسه ما يتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مواقع الجيش السوري وحلفائه، إضافةً إلى اكتمال استعدادات حلفاء دمشق في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، للقيام بعمل عسكري كبير ضد الكيان، في حال ارتكابه أيّ خطأ جديد في أي منطقة من مناطق وجود الحلفاء.
وعلى الرغم من عدم صدور أيّ تصريح سوري رسمي في يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المنصرم، رغم تميّزه هذا العام بتنسيق واضح، وعلى أعلى درجة بين كلّ محور المقاومة، فإن ظهور الرئيس الأسد في طهران يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة على المستوى العسكري بشقين؛ الأول بالرد الحتمي على أي اعتداء إسرائيلي جديد من داخل الأراضي السورية يصل إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد تغير الموقف الروسي وانتفاء ممانعته من جهة، ووصول القيادة العسكرية السورية إلى قناعة بضرورة الرد من الأراضي السورية، بعد انتفاء القلق من الاستهداف العسكري الإسرائيلي للجيش السوري، الذي ما زال في طور الترميم، بفعل ما أصابه من إنهاك على مدى 11 عاماً من الحرب على سوريا من جهة ثانية، وفشل الرهان على انفتاح العرب على دمشق، وما يمكن أن يقدمه هذا الانفتاح من دعم اقتصادي يخفف معاناة المواطنين.
ولا يتوقَّف البعد العسكري على الاعتداءات الإسرائيلية، بل ينتقل إلى المخاطر العسكرية التركية، وخصوصاً بعد أن تلقّت أنقرة ضوءاً أخضر من واشنطن، بعدم ممانعتها اجتياح ما تبقى من الشمال السوري والشمال العراقي، في ظلِّ إثباتها أنها الحليف الأقوى للولايات المتحدة، من خلال اصطفافها الواضح معها في أوكرانيا، وفشل الرهان على توحيد الكرد في سوريا، بعد أن حسم حزب الاتحاد الديمقراطي بأن “خياره سوريا”، ورفضه الحوار مع ما يسمى المجلس الوطني الكردي، الذي يعمل لمصلحة تركيا والبرزاني في أربيل؛ “العدوّين التاريخيين اللدودين لحزب العمال الكردستاني”، وهو ما يقتضي تعزيز القوى العسكرية الإيرانية وكل القوى الحليفة، لتشكيل حالة ردع لأنقرة عن الإقدام على أية مغامرة عسكرية جديدة، وهو ما استشعره الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ليردّ في اليوم التالي للزيارة بالقول: “لن نعيد اللاجئين السوريين إلى سوريا إلا برضاهم، ولن نرمي بهم بين أيدي القتلة وأحضانهم. مهما كان كلام الآخرين، فإننا في سوريا، ولن نغادرها”.
أما الأمر العسكري الثالث، فهو يرتبط بالسباق بين العودة إلى الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وارتفاع احتمال حصول مواجهة عسكرية كبيرة بين إيران وحلفائها من قوى المقاومة من جهة، والكيان الإسرائيلي من جهة ثانية، وهو الذي يستشعر مخاطر العودة إلى الاتفاق التي أصبحت في نهاياتها، ومن الممكن الإعلان عنها خلال أسابيع من جهة ثانية.
بين هذين الأمرين، غيرت دمشق قناعاتها في الحرب، فهذا الكيان الوظيفي بمنزلة وتر آخيل الغرب، ومقتله في غرب آسيا وشمال أفريقيا سيدفع الغربيين إلى تسريع انسحابهم، والضغط عليه أيضاً سيدفع الغرب إلى تغيير سياساته تجاه سوريا. من هنا، تصبح شراكة دمشق في أي حرب قادمة بمنزلة البوابة الأخيرة للخروج من مآزقها الداخلية والخارجية العديدة.
لكن ماذا في الزيارة عن الجانبين السياسي والاقتصادي؟
تعلم دمشق، وهي الدولة الإقليمية الأقرب إلى إيران، أن العودة إلى الاتفاق النووي باتت قريبة جداً، وأنّ وضع إيران كقوة إقليمية سيختلف عن كل المراحل السابقة، بعد أن عجزت الحروب والعقوبات على مدى 43 عاماً عن احتوائها من جديد ضمن منظومة إقليمية تحت المظلة الأميركية.
هذه العودة ستُصرف على المستوى السياسي بعلاقات واسعة مع دول الخليج بالدرجة الأولى وكامل المنظومة العربية، إضافة إلى دول آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان، ناهيك بالاتحاد الأوروبي الأشد إلحاحاً على العودة إلى الاتفاق، طلباً للنفط والغاز.
هذه المكاسب السياسية الإيرانية الكبرى تدفع دمشق إلى البحث عن سهمها في هذه المكاسب، كشريكة في النضال طيلة أكثر من 4 عقود، ويمكن لطهران أن تجيّر جزءاً من هذه المكاسب إلى دمشق بحنكتها وصلابة مواقفها مع كلّ الطامحين لإعادة تموضعهم السياسي معها.
ويبقى الوضع الاقتصادي الهم الأكبر للسوريين، بعد أن فقد أكثر من 10 ملايين مواطن أمنهم الغذائي، ومن الطبيعي أن يدرج الرئيس الأسد هموم شعبه الاقتصادية الآن، وبشكل مستعجل، وخصوصاً النفط ومشتقاته، بعد غيابه عن السوق الداخلية على مدى 30 يوماً، إضافة إلى القمح الذي بدأت مخزوناته بالانخفاض بعد الحرب في أوكرانيا وارتفاع مستوى تهديد الموردين له.
ولا يخفى أنّ إيران يمكنها أيضاً أن تشجع بغداد على تسهيل حركة المرور مع شقيقتها دمشق، وفتح الأسواق العراقية للبضائع السورية، من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية عن جارتها، إلى حين إيجاد حلول كاملة لأزمتها، وهذا لن يتمّ البدء به إلا مع إسقاط أول طائرة إسرائيلية وأسر طيارها، إذا ما أخطأت بالتحليق خارج أراضي فلسطين المحتلة، لتكون هذه أولى إشارات التحول في شهر أيار/مايو؛ شهر الانتصار على النازية، الأمر الّذي لا يمكن أن ينجح إلا إذا ترافقه مع حضور إرادات وإدارات جديدة للبدء بالتغيير الداخلي العميق للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية.
الميادين
Views: 4