لماذا قد تكون “إسرائيل” خسرت روسيا دون أن تُحافظ على كسب أمريكا؟ وكيف تبخّر “اعتِذار” بوتين “المزعوم” بسُرعةٍ وجولة لافروف العربيّة الأخيرة وانسِحاب السفير الروسي من الكنيست غضبًا بعض الأدلّة؟ ولماذا ستدخل الرّصاصة التي قتلت الشهيدة شيرين أبو عاقلة التاريخ؟ وهل ستَصدُق نُبوءة باراك؟
عبد الباري عطوان
تعيش دولة الاحتلال الإسرائيلي أسوأ أيّامها، مصحوبةً بحالةٍ من الارتباك والتخبّط غير مسبوقة، فالأزَمات الداخليّة تتفاقم، والتّهديدات الخارجيّة تُحاصرها من كُل الجهات، ولعلّ إقدام أحد قنّاصيها على اغتِيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة وبأمْرٍ من قيادته العُليا هو أحد انعكاسات هذا الارتِباك، وأحد أبرز الأدلّة على خسارتها للحرب الإعلاميّة التي كانت تتفوّق فيها دائمًا على المُستويين الإقليمي والعالمي، فلجأت إلى قتل الرسول في مُحاولةٍ يائسة لمَنع وصول الرّسالة.
هُناك أربعة عوامل رئيسيّة تُؤكّد هذه الحقائق المذكورة آنفًا بشَكلٍ عملي وعلمي:
-
الأوّل: الحرب الأوكرانيّة التي كشفت النفاق الإسرائيلي في أبشع صُوره، حيث باتت “إسرائيل” “مكروهة” من مُعظم شُعوب أكبر قوّتين عظميين كانتا داعمة لها وهُما الاتحاد الروسي، والولايات المتحدة الأمريكيّة، لأنّها حاولت اللّعب على جميع الحِبال وادّعاء الحِياد في “ذكاءٍ” زائفٍ مُضلّلٍ ومكشوف.
-
الثاني: انهيار مُتسارع للحالة الأمنيّة التي كانت دائمًا مصدر قوّة الدولة العبريّة والاطمِئنان لمُستوطنيها، فالعمليّات الفدائيّة الخمس الأخيرة أسفرت عن مقتل 19 إسرائيليًّا في أقل من 45 يومًا، وهُناك مُؤشّرات بأنّ القادم أعظم.
-
الثالث: اعتِراف “الجِنرال” إيهود باراك بأنّ احتِمال نشوب حرب أهليّة بات الخطر الأكبر الذي يُهَدِّد “إسرائيل” بسبب سيطرة اليمين المُتطرّف، والعُنصر “غير الأشكنازي” وحُدوث خلل وعدم توازن في التّركيبة السكّانيّة، ووصلت به حالة التّشاؤم إلى درجة التوقّع بعدم إكمالها (إسرائيل) عقدها الثّامن.
-
الرابع: تزايد مُعدّلات الهجرة المُعاكسة رغم حالات التكتّم الشّديد، وتؤكّد أبحاث نشرتها صُحف إسرائيليّة أن أكثر من 41 بالمئة من اليهود الروس عادوا إلى روسيا في الأعوام الأخيرة، في وَقتٍ يسير فيه يهود “الفلاشا” على الطّريق نفسه وإن بمُعدّلاتٍ أقل، بسبب العُنصريّة، وانعِدام الأمن، سواءً بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا وكندا، أو العودة إلى إثيوبيا.
المُناورات التي تجري حاليًّا وتُشارك فيها جميع الأسلحة البريّة والبحريّة والجويّة الإسرائيليّة وستستمرّ شهرًا، وتُحاكي الانخِراط في حربٍ على عدّة جبهات (جنوب لبنان، غزّة، الضفّة والدّاخل المُحتل عام 1948، والعِراق وسورية واليمن) ربّما تكون تجسيدًا لحالةِ اليأس والخوف، وتُشَكّل المُقامرة الأخيرة للمؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة الحاكِم الفِعلي للبِلاد، ففي ظِل حرب أوكرانيا لم يَعُد العالم العربي مُهْتَمًّا بإسرائيل والتستّر على جرائمها.
“إسرائيل” خسرت روسيا، دون أن تحتفظ بالجائزة الأمريكيّة الكُبرى، والمسألة نسبيّة، فالاتّصال الهاتفي بين الرئيس فلاديمير بوتين والإسرائيلي نفتالي بينيت لم ينجح في تبديد الغضب الإسرائيلي الذي تفاقم بعد تصريحات سيرغي لافروف وزير الخارجيّة التي أشار فيها إلى أصول هتلر اليهوديّة، وقتال مُرتزقة إسرائيليين في صُفوف النّازيين الأوكرانيين، ولعلّ مُغادرة أناتولي فيكتوروف سفير روسيا في تل أبيب الكنيست (البرلمان) يوم الثلاثاء الماضي غضبًا، واحتجاجًا، على تطاول نوّاب إسرائيليين على روسيا وهُجومهم الشّرس عليها بسبب اجتِياح قوّاتها لأوكرانيا، واتّهامها بارتكاب جرائم حرب هو أحد الأدلّة التي تؤكّد ما نقول.
كان لافتًا أن لافروف الذي زار الجزائر وسلطنة عُمان في جولته الخاطفة في المِنطقة هذا الأسبوع لم يُعَرّج على تل أبيب، ولم يعتذر مُطلَقًا في جميع اللّقاءات والمُؤتمرات الصحافيّة التي عقدها عن تصريحاته حول نازيّة بعض اليهود وتواطؤهم في المحرقة النازيّة.
أمّا إذا تحدّثنا عن العلاقات الإسرائيليّة الأمريكيّة فإن المُؤشّرات “الخجولة” التي تصدّر سواءً عن المسؤولين الأمريكيين أو الإسرائيليين في هذا المِضمار لا تُوحي بأنّها في أفضل حالاتها، بل ربّما العكس تمامًا، ولعلّ مُعارضة الرئيس الأمريكي جو بايدن للقرار الإسرائيلي ببناء 4500 وحدة استيطانيّة جديدة في الضفّة، ورد بينيت الوَقِح عليه، بالقول بأنّ حُكومته لا تحتاج إلى تصريح أمريكي لبناء المُستوطنات هو قمّة جبل الجليد، وتعزّزت هذه النظريّة بإدانة الإدارة الأمريكيّة لعمليّة اغتِيال الصحافيّة “أبو عاقلة” التي قد تُصبِح “خاشقجي” آخَر بالنّسبة إلى إسرائيل، مع الفارق الكبير في المُقارنة، وطلبها إجراء تحقيق مُعَمّق فيها لمعرفة الحقيقة والتّأكيد في الوقتِ نفسه على المُواطنة الأمريكيّة للشّهيدة، إلى جانب مُواطنتها المقدسيّة.
اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، فضحت حالة الضّعف والانهيار الإسرائيليّة، ورشّت أكوامًا من المِلح على جرحها، علاوةً على كونها أعادت الإجرام الإسرائيلي إلى الواجهة، ووحّدت الشعب الفِلسطيني والأمّتين العربيّة والإسلاميّة خلف قضيّته العادلة، ووفّرت الذّخيرة المطلوبة لتصاعد المُقاومة للاحتِلال بالوسائل كافّة.
الرّصاصة “المُتفجّرة” القاتلة والمُحرّمة دوليًّا، التي أصابت الوجه البريء الصّبوح للشّهيدة أبو عاقلة، ستدخل التاريخ، لأنها قد تكون المُفجّر للأوضاع في فِلسطين المُحتلّة من البحر إلى النهر، وبداية النهاية للأُسطورة الزّائفة حول إسرائيل سواءً الكُبرى أو الصّغرى.
المُناورات الإسرائيليّة الأضخم لن تُرهب محور المُقاومة، ولن تُطمّئن المُستوطنين الإسرائيليين، بل ربّما تكون نتائجها عكسيّةً تمامًا.. والأيّام بيننا
Views: 5