08:28 PM 2022-05-22
زياد غصن
عادت أزمة المشتقات النفطية لتلقي بظلالها من جديد على حياة السوريين، مهددةً، فيما لو زادت المدة الزمنية لانقطاع التوريدات النفطية أكثر من ذلك، بحالة من الشلل الاقتصادي في البلاد.
رغم أنّ الزيارة الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران أثمرت توقيع الحكومتين على خط ائتماني جديد يتيح توريد كميات شهرية من النفط الإيراني إلى سوريا وفق آلية سداد تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية التي تمر بها دمشق، فإنَّ تأخر تنفيذ الاتفاق، رغم حساسية الوقت بالنسبة إلى الجانب السوري، يطرح تساؤلات جوهرية، بعضها يتعلَّق بالأسباب الجوهرية لتأخر عملية تنفيذ الاتفاق، فالسفن السورية ترسو في المرافئ الإيرانية منذ فترة وتنتظر عملية تحميلها بالنفط، والبعض الآخر من تلك التساؤلات يذهب إلى محاولة قراءة مستقبل علاقات الحلفاء في ضوء تعثر تطوير العلاقات الاقتصادية البينية، وانعكاس ذلك على انطباعات الشارع السوري وصورة الحلفاء المتشكّلة في أذهان أفراده.
بيروقراطية أم سياسة جديدة؟
في الشق الأول من التساؤلات، والخاص بالأسباب التي يمكن أن تكون مسؤولة عن تأخر تنفيذ اتفاق توريد النفط، وإحجام الحلفاء (إيران، روسيا) عن توسيع دائرة التعاون والدعم الاقتصادي لدمشق، تذهب معظم التحليلات إلى مسؤولية واحد من 3 أسباب هي:
– الإجراءات البيروقراطية المعتادة في الدول الشرقية، والتي تستهلك وقتاً طويلاً قبل المباشرة بتنفيذ أمر ما، وهذا ما كان يدفع القيادة السياسية في كل من سوريا وإيران وروسيا إلى التدخل المباشر بين الفينة والأخرى، بغية معالجة بعض الإشكاليات في مكان، وتسريع عملية تنفيذ بعض الإجراءات في مكان آخر.
وغالباً ما تُحمّل الإجراءات والتعقيدات البيروقراطية وعدم المتابعة الحكومية مسؤولية تأخر تنفيذ اتفاقات اقتصادية مهمة، وتالياً عرقلة تطوير العلاقات الاقتصادية لترقى إلى مستوى العلاقات السياسية، لكن هل يعقل أن الحكومات لم تتنبه إلى تأثيرات تلك الإجراءات في علاقاتها في مثل هذه المرحلة؟
– تحفّظ بعض الأوساط السياسية في كل من طهران وموسكو عن مسار العلاقات السياسية والاقتصادية مع دمشق، لأسباب مرتبطة بالانتماءات السياسية الداخلية، كما هو الحال في إيران، أو بطبيعة تكوين النظام السياسي وآليات صنع القرار، كما هو قائم في روسيا.
ويصبح تأثير هذه الأوساط في زخم العلاقات مع دمشق واضحاً عندما تتولى بعض الشخصيات المحسوبة على تلك الأوساط مهمات ومسؤوليات سياسية وتنفيذية في بلادهم. ورغم أن الأمور عادة ما تحسم لمصلحة استمرار التعاون مع دمشق، فإنَّ ذلك لا يتم إلا بعد مضي وقت ليس بالقليل، وأحياناً بعد حدوث خسائر سياسية واقتصادية.
– دخول متغيّرات سياسية على خط العلاقات الاقتصادية، وكثيراً ما كانت تشير إلى هذه النقطة بعض دوائر السياسة الغربية ووسائل إعلامها، والتي تروج أن تقلبات مستويات الدعم الاقتصادي المقدم لدمشق تسعى لتحقيق أهداف سياسية، فموسكو مثلاً تريد من دمشق أن تكون أكثر مرونة في مسار أستانة السياسي، وطهران تبحث عن ضمانة ألا يكون الانفتاح السياسي والاقتصادي العربي على سوريا على حساب حضورها السياسي والعسكري والاقتصادي في سوريا وغير ذلك من القراءات والتحليلات السياسية التي لم تؤكدها رسمياً الدول الثلاث بطريقة أو بأخرى.
الصورة مختلفة في الشارع
وأياً كانت الأسباب، فإنَّ الآثار الناجمة عن تعثر التعاون الاقتصادي بين الدول الحليفة، ولا سيما في ضوء الظروف المعروفة التي تمر بها سوريا من احتلال القوات الأميركية لحقول النفط والقمح، والعقوبات الغربية الواسعة، والتهديد الإسرائيلي المستمر لأمنها ومنشآتها العسكرية والمدنية، لا تقف عند الأضرار الكبيرة التي تلحق بالاقتصاد السوري وانعكاس ذلك على معاناة السوريين في جانبها المعيشي، إنما تمتد لتشمل صورة الحلفاء في الأوساط الشعبية داخل سوريا، وهي صورة تضررت بشكل لا يمكن إنكاره خلال العامين الأخيرين، مقارنة بما كانت عليه قبل عدة سنوات. ويمكن ملاحظة ذلك الضرر من خلال:
– تباين موقف بعض الأوساط الشعبية السورية مع الموقف الرسمي للحكومة من العملية الروسية الخاصّة في أوكرانيا، إذ إنّ محدودية الدعم الاقتصادي الروسي الذي قدم لدمشق خلال السنوات السابقة واقتصاره على بعض عقود توريد القمح، في وقت تعاني البلاد أزمة طاقة خانقة، ترك أثره في تفهم الشارع لخلفية الموقف الرسمي وأبعاده. والمشكلة هنا لا تتعلق بالفئات الشعبية الباحثة عن أولويات المعيشة، والتي قد لا تعطي بالاً لما يجري في العالم وخلفياته، إنما بفئات أخرى مسيسة وذات مستويات ثقافية متنوعة.
– التساؤلات التي بدأت تطرح على مستوى شرائح شعبية مختلفة حيال آفاق العلاقة السورية الإيرانية مستقبلاً في ضوء بعض المتغيرات، منها التصريحات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين، والتي تعزو الفضل إلى طهران في عدم سقوط العاصمة دمشق في أيدي المسلحين، والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا بحجة الوجود الإيراني، والأزمات الاقتصادية التي تعانيها البلاد، رغم قدرة الحلفاء على المساعدة والدعم.
– الحديث عن جدوى الاستثمارات الإيرانية والروسية في سوريا، وانعكاسها على الوضع الاقتصادي في البلاد، فالفرص التي حصل عليها البلدان كافية في نظر البعض، في حال استثمارها بشكل حقيقي، لتسديد ديون سوريا وتأمين جزء كبير من احتياجاتها الأساسية، من دون اضطرارها إلى طلب المساعدة من أحد. هذا الأمر يمكن أن يحدث حتى مع استمرار العقوبات الغربية.
ضرورة المراجعة
يبدو أنَّ الاطمئنان إلى التحالف بين الدول الثلاث على صعيد المواقف السياسية وحده لا يكفي، إذ إن عكس ذلك التحالف على الملفات الأخرى يبدو أمراً ضرورياً. وهنا، ليست دمشق وحدها المستفيدة، فالمفاوضات الإيرانية حول البرنامج النووي أو مفاوضاتها مع الوسط العربي الإقليمي تستند في جزء مهم إلى ورقة التحالف مع دمشق، وروسيا المشغولة بحربها مع الغرب تحتفظ بحضورها في قاعدتي حميم وطرطوس كورقتي قوة.
كل ذلك يجعل من الضروري طرح جملة من الأسئلة المرتبطة بمستقبل مسار العلاقات مع دمشق، من قبيل: هل يمكن أن تترك الإجراءات البيروقراطية لتخرب علاقات عمرها عقود من الزمن؟ وهل الأسباب السياسية الحاضرة اليوم أقوى من الأسباب التي جعلت دمشق ترفض مقايضة علاقاتها مع إيران في فترة أصعب، وتتحمَّل ما تحملته من حرب مدمرة؟ وهل وجود قوى سياسية متحفظة بطريقة أو بأخرى عن زخم العلاقات مع دمشق يعني أنَّ المتغيرات السياسية التي تشهدها بعض دول المنطقة في تحالفاتها الخارجية قد يصل تأثيرها إلى حديقة الحلفاء التاريخيين؟
الميادين نت
Views: 5