لماذا لا تحتاج الجزائر تضامن الجامعة العربيّة معها في صِراعها مع إسبانيا؟ وكيف سجّلت سابقة توظيف ثرواتها النفطيّة والغازيّة في الدّفاع عن مصالحها؟ وهل تسير دول خليجيّة على النّهج نفسه وتُفشِل “الناتو العربي الإسرائيلي” الذي يُريد بايدن تدشينه أثناء زيارته للرياض؟
عبد الباري عطوان
لا تحتاج الجزائر لكيّ تُصدر بيانًا ينفي ما وصفته “بمعلوماتٍ زائفة” حول فشل جُهودها الدبلوماسيّة لعقدِ اجتماعٍ طارئ لجامعة الدول العربيّة للتّضامن معها في أزمتها الحاليّة المُتفاقمة مع إسبانيا، لعدّة أسبابٍ أبرزها أن هذه الجامعة باتت بلا أيّ قيمة، وتضامنها قد يَضُرّ أكثر ممّا يُفيد، في ظِل تراجع تمثيلها للحُكومات العربيّة، ولا نقول للشّعوب، إلى أدنى مُستوياتها هذه الأيّام.
فهذه الجامعة التي لم يتجرّأ أمينها العام السيّد أحمد أبو الغيط على إصدارِ بيانٍ يُدين عُدوانًا إسرائيليًّا وحشيًّا على مطار دِمشق الدولي المدني، أو أيّ “عُدوانات” إسرائيليّة سابقة على مدى السّنوات العشْر الماضية، تُشَكِّل انتهاكًا لسِيادة دولة عُضو في الجامعة، والأمم المتحدة، وكُل القوانين الدوليّة، لا يُمكن أن نتوقّع منها الوقوف في خندق الجزائر في أزمتها الثنائيّة مع الدولة الإسبانيّة المدعومة من حُكوماتِ الاتّحاد الأوروبي، أو أيّ دولة عربيّة أُخرى بعد أن باتت عُنوانًا للانهِيار والتطبيع العربيّين.
**لحُكومة الجزائريّة عندما “علّقت” مُعاهدة الصّداقة مع إسبانيا، وأوقفت ضخّ الغاز إليها عبر أنبوبٍ رسميّ، وتوجّهت إلى إيطاليا كدولةٍ بديلة، أقدمت على هذه الخطوة بمُفردها، ومن مُنطلقِ خدمة مصالحها الوطنيّة، وهذا موقفٌ يعكس استقلاليّة القرار، اتّفق معه البعض أو اختلف، بغضّ النّظر عن أسبابه ودوافعه، فنَحنُ لا نُناقش هذه الأسباب وإنّما شجاعة الموقف.
دولٌ عربيّة مِثل المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات وسلطنة عُمان، ونحن نختلف مع سِياسات بعضها التطبيعيّة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، سواءً علانيّة أو تحت الطّاولة، أذلّت الولايات المتحدة الأمريكيّة، ورئيسها عندما تمسّكت بموقفها في النّأي بالنّفس عن العُقوبات الأمريكيّة المفروضة على روسيا، وضربت عرض الحائط بالمطالب الأمريكيّة الابتزازيّة لزيادة كميّات الإنتاج لخفض الأسعار، وها هو الرئيس بايدن، زعيم القُوّة الأعظم في العالم يتراجع بشَكلٍ مُهين، ويستعدّ لشدّ الرّحال إلى الرياض لحُضور قمّة تضم زعماء دول الخليج ومِصر والأردن وربّما السودان، في مُحاولةٍ لترميم عُلاقاته مع حُكوماتها، والاستجابة لشُروطها.
لا نُريد الخوض بشَكلٍ مُعَمَّقٍ في هذا الملف، أو الحديث عن تحفّظاتنا، أو بالأحرى رفضنا، للأهداف الأمريكيّة من هذه القمّة، وأبرزها تدشين “مُنتدى أمني” بزعامة الولايات المتحدة وعُضويّة دولة الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عُدوانٍ على إيران، لأنّ أمامنا ما يَقرُب الشّهر لمعرفة التّفاصيل وردود الفعل، لأنّ ما يهمّنا في الوقت الراهن هو التّأكيد على حتميّة وصوابيّة المواقف والسّياسات العربيّة التي تضع المصالح والثّروات العربيّة مِثل النفط والغاز فوق جميع المصالح الأُخرى، الأمريكيّة والأوروبيّة على وجه الخُصوص.
الولايات المتحدة الامريكية ومعها كُل الدول الأوروبيّة الأخرى تعيش هذه الأيّام أضعف أيّامها، لأنّها خرجت خاسرة في المئة يوم الأولى من الحرب في أوكرانيا لمصلحة روسيا، سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وبات اقتِصادها الغربيّ يُعاني من الانكماش والتضخّم، وغلاء المعيشة، والفضل في كُل ذلك يعود إلى الموقف العربي “الحكيم” بعدم الوقوف في خندقها، أو الرّضوخ لتهديداتها، وتوظيف ثرواتنا النفطيّة والغازيّة في خدمة حُروبها ومُخطّطاتها مثلما كُنّا نفعل طِوال المئة عام الماضية تقريبًا.
عندما وظّف العرب نفطهم في خدمة القضايا العربيّة أثناء حرب أكتوبر عام 1973 ارتفعت أسعار برميل النفط من أقل من ثلاثة دولارات إلى أكثر من 17 دولارًا في أشهرٍ معدودة، واليوم عندما رفضوا الانصِياع للضّغوط الأمريكيّة بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، وإنقاذ الاقتصاد الغربي من أزماته، تضاعف سِعر برميل النفط أكثر من مرّتين، ووصل إلى 125 دولارًا، وربّما يصل إلى رقمٍ قياسيّ جديد أيّ 150 دولارًا في الأسابيع المُقبلة خاصَّةً أن الأسواق العالميّة في حاجةٍ إلى ثلاثة ملايين برميل إضافيّة بسبب تراجع جائحة الكورونا، وزيادة الاستِهلاك بالتالي، الأمر الذي يعني تدفّق المِليارات يوميًّا على خزائن الدّول الخليجيّة التي عانت من الرّضوخ في سياساتها النفطيّة للإملاءات الابتزازيّة الأمريكيّة، ولخدمة الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، وليس لمصالح شُعوبها.
من حقّ الجزائر، وأيّ دولة عربيّة أُخرى، أن تستخدم سلاح النفط والغاز لخدمة مصالحها، و”تأديب” الدول التي تتجرّأ على المساس بسيادتها، مِثل إسبانيا أو أيّ دولة أوروبيّة أخرى، مثلما من حقّها أيضًا أن تتمسّك بموقفها بمُعارضة كافّة أشكال التطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وأن تنحاز إلى الموقف الروسي في حرب أوكرانيا، وتفرش السجّاد الأحمر لسيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي أثناء زيارته لعاصمتها.
الجامعة التي تدعم العُدوان الأمريكي، والغارات الإسرائيليّة على العاصمة السوريّة بصمتها المُتواطئ، وتُوفّر الغطاء “الشّرعي” الرسمي العربي لتدمير ليبيا واليمن وسورية وقبلها العِراق، هذه الجامعة لم تعد عربيّة، وأصبحت أكثر إسرائيليّة من الجامعة العبريّة، ولنا عودة حتمًا للناتو العربي الإسرائيلي الذي يُريد بايدن تدشينه أثناء زيارته للرياض مُنتَصف الشّهر المُقبل، حفاظًا على الأمن القومي الإسرائيلي وفُرص نجاح هذه المُؤامرة وفشله
Views: 11