بوتين يُشعِل فتيل “حرب الغاز” وأوروبا ترتعش بردًا في فصل الصّيف القائظ.. هل سيكون إغلاق خطّ أنابيب “نورد ستريم 1” بحُجّة الصّيانة “بُروفة” لإغلاق صُنبور الغاز بشَكلٍ دائم؟ وما هي البدائل الأوروبيّة.. الاستِسلام؟
حرب الغاز التي يشنّها الرئيس فلاديمير بوتين ضدّ حُلفاء أمريكا في أوروبا بدأت أوّل “بُروفاتها” اليوم الاثنين عندما قرّرت روسيا وقف كُل إمدادات الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” لمُدّة عشرة أيّام تحت عُنوان إجراءِ صيانةٍ سنويّة.
هذا الأنبوب الذي يَبلُغ طُوله 1200 كم تحت بحر البلطيق ينقل حواليّ 55 مِليار متر مكعّب من الغاز سنويًّا إلى شِمال ألمانيا ومنها إلى دولٍ أوروبيّة عديدة، أيّ أكثر من 40 بالمِئة من حاجات القارّة الأوروبيّة، الأمر الذي جعلها ترتعش بردًا قبل أن يحلّ فصل الشّتاء القارِص.
السُّؤال الذي يتردّد بقُوّةٍ في أوساط أوروبا بشقّيها القديم والجديد، هو أن الرئيس بوتين أغلق صندوق الغاز لمُدّة عشرة أيّام، فهل سيُعيد فتحه بعدها أمْ أنّ الإغلاق سيكون دائمًا؟
لا أحد في أوروبا يملك جوابًا فوريًّا؟ وحالة القلق والرّعب هي السّائدة بقُوّةٍ في مُعظم العواصم بسبب تزايد احتِمالات غرق القارة في أزمة غاز حادّة خِلال فصل الشّتاء المُقبل، خاصَّةً لفشَل المُحاولات الدّؤوبة لإيجاد بدائل للغاز الروسي سواءً من مِنطقة الخليج (قطر)، أو من شِمال إفريقيا (الجزائر).
الانطباع السّائد في أوروبا حاليًّا أن روسيا، وبعد اجتياح قوّاتها لجنوب شرق أوكرانيا، وفصْل إقليم دونباس بالقوّة، بدأت الآن تنتقل إلى المرحلة الثّانية من الحرب بعد الأشهر الستّة الأُولى من اشتِعالها، أيّ استِخدام سِلاح الغاز والنفط، سيرًا على نهج العرب عندما لجَأوا إلى سِلاح الحظْر نفسه ضدّ الغرب أثناء حرب أكتوبر 1973 انتصارًا لكُل من مِصر وسورية اللّتين خاضتا هذه الحرب، وحظَيتا بدعم الأشقّاء العرب عندما كانوا عربًا ويعتبرون إسرائيل عدوًّا، والنّفط ليس أغلى من الدّم.
الرئيس بوتين يقول ويفعل، ولا يعرف المحظورات، وإذا كان قد اوقف خط أنابيب غاز “نورد ستريم 2” فإنّه في نظر الكثير من المُراقبين الغربيّين لن يتردّد في وقفٍ كامل لإمدادات الغاز عبر خطّ أنابيب “نورد ستريم 1″، وبِما يُؤدّي إلى تفاقم الأزمات الأوروبيّة، الحياتيّة اليوميّة منها أو الاقتصاديّة.
كندا أرادت أن تُجرّب حظّها، وترتدي “ثوب الأسد” تحت عُنوان رفض إعادة تسليم توربينات للخطّ المذكور أرسلتها شركة سيمنز الألمانيّة إليها لإصلاحها، على اعتبار أن هذه الخطوة، أيّ عدم التّسليم، تأتي في إطار العُقوبات المفروضة على الغاز الروسي، ولكنّها اضطرّت إلى تغييرِ رأيها بسُرعةٍ، ليسَ رُضوخًا لطلبات روسيا، وإنّما لاستِجداءات المُستشار الألماني أولاف شولتس الذي أكّدت حُكومته أنّ العُقوبات لا تشمل قِطاع الغاز.
روسيا تكسب “حرب الغاز” في اليوم الأوّل لإشعال فتيلها، مثلما كسبت حرب الاقتصاد مُنذ اليوم الأوّل لإرسال قوّاتها لاجتياح الحُدود الأوكرانيّة، وباتت القارّة الأوروبيّة وشُعوبها تستعدّ لدَفعِ الثّمن الباهِظ جدًّا لتجاوبها مع الحِصار الأمريكي لروسيا.
مخزونات النفط والغاز في أوروبا تتراجع بسُرعةٍ رُغمَ أننا في شهر تموز (يوليو) أيّ عزّ الصّيف، وأسعار برميل النفط مُرشّحةٌ للارتفاع إلى حواليّ 150 دولارًا للبرميل مع مَقدِم الشّتاء، وربّما أكثر إذا فشلت زيارة جو بايدن إلى الشّرق الأوسط في إبعاد أكبر دولتين مُنتجين للنّفط، أيّ السعوديّة، والإمارات، إلى جانب الدّول الخليجيّة الأُخرى في زيادة إنتاجها، وفكّ الارتباط باتّفاق (أوبك بلس) مع روسيا، أمّا عن أسعار الغاز التي زادت أكثر من الضّعف فحدّث ولا حرج.
تخيّلوا كيف سيكون حال الرئيس بوتين لو لم ترفض سورية مدّ أنبوب الغاز القطري عبر أراضيها إلى أوروبا مُرورًا بالأراضي التركيّة أيضًا؟
ما زالت هُناك “حيلًا عديدة” في أكمام “السّاحر” بوتين، بدأت تخرج تِباعًا، وبالتّقسيط المُريح، وفي إطار خطّة مُحكَمة الإعداد، وعمليّة “تركيع” أوروبا وحِلف النّاتو بدأت، وستكون مُقدّمة لتركيع إدارة بايدن الأمريكيّة، والمَخفي أعظم.. والأيّام بيننا.
“راي اليوم
Views: 2