وهل ستكون هذه الزّيارة التاريخيّة بداية النّهاية للعصر الأمريكي في الشّرق الأوسط؟ ولماذا نعتقد أن “الدولار” سيكون أبرز ضحاياها؟ وكيف سيكون ردّ بايدن والدّولة الأمريكيّة العميقة على هذه الصّفعة؟
عبد الباري عطوان
إذا صحّ الخبر الذي نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانيّة اليوم الخميس، وأكّدت فيه أن الرئيس الصيني تشي جين بينغ سيزور المملكة العربيّة السعوديّة الأُسبوع المُقبل، وأنّ استقبالًا حافلًا يجري الإعداد له، يفوق نظيره الذي حظي به دونالد ترامب عام 2017، نقول إذا صح، فإنّ هذه الزّيارة ستكون تاريخيّة وبداية أفول النّفوذ الأمريكي في الخليج، وربّما الشّرق الأوسط برمّته، وبداية العصر الصيني.
نُرَجِّح أن يكون هذا الخبر صحيحًا، فهذه الصّحيفة “الغارديان) لا يُمكن، وبحسب صلتنا الوثيقة بها (كُنت أحد كتّاب صفحة الرأي فيها لعدّة سنوات) أن تنشر مِثل هذا الخبر دون أن تكون مُتأكّدة من صحّته، ولا نستبعد أن يكون قد جرى تسريبه إليها من مصادر رسميّة سعوديّة، لِما تتمتّع به من “مِصداقيّة” بالمُقارنة بغيرها.
الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والحاكِم الفِعلي للمملكة، وجّه دعوةً رسميّة للرئيس الصيني لزيارة الرياض في آذار (مارس) الماضي لتوثيق العُلاقات، وكَرَدٍّ على تجاهل الرئيس الأمريكي جو بايدن له، وتعزيز عُزلته عالميًّا، وفجّر (بن سلمان) صاروخًا عابرًا للقارّات في حينها عندما ألمح إلى أنه يدرس بيع النفط السعودي بالعُملة الصينيّة (اليوان) والتخلّي عن الدولار.
الصين هي الشّريك التجاري الأهم، والمُشتري الأكبر للنفط السعودي في العالم، حيث تستورد 1.8 مليون برميل من النفط السعودي يوميًّا، وتتقدّم على روسيا (1.6 مِليون برميل يوميًّا)، أيّ حواليّ 15 بالمِئة من مجموع صادرات السعوديّة النفطيّة للعالم، ويَبْلُغ حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين حواليّ 87 مِليار دولار سنويًّا (في عام 2021) وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية (72 مِليارًا) والعِراق الثالثة (37 مِليارًا) من مجموع 332 مِليار دولار حجم التّبادل التجاري الإجمالي بين العرب والصين.
الصين، الدّولة العُظمى الصّاعدة، تُحاول ملء الفراغ في الشّرق الأوسط، ومِنطقة الخليج على وجه الخُصوص، الذي يتضخّم بسبب الانسِحاب الأمريكي المُتسارِع، وتتبنّى دبلوماسيّةً ذكيّةً جدًّا، من حيث التحلّي بالحِياد، وعدم التدخّل في شُؤون المِنطقة السياسيّة، مِثل حرب اليمن أو قضيّة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فالحُريّات وحُقوق الإنسان والديمقراطيّة هي آخِر اهتِمامات القِيادة الصينيّة، أو الخِلاف السعودي القطري، ويبدو أن هذه الدبلوماسيّة تُريد استخدام البوّابة السعوديّة، واستِغلال حالة النّفور بين الأمير بن سلمان والرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن لدُخول المِنطقة، وتقديم نفسها (أيّ الصين) كبَديلٍ للنّفوذ الأمريكي الذي يَلفُظ أنفاسه الأخيرة بعد 80 عامًا من الهيمنة.
الرئيس بايدن تعرّض للتّهميش والازدِراء العلني أثناء زيارته لجدّة العاصمة التجاريّة للمملكة في حزيران (يونيو) الماضي، ولم يَجِد من يستقبله في مطار جدّة غير الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكّة، بينما الأمير بن سلمان كان يستقبل بالأحضان قادة دول الخليج ومِصر والأردن والعِراق المُشاركين في القمّة نفسها في المطار في رسالةٍ واضحة يتعمّد الإهانة للرئيس الأمريكي.
بايدن لم يُحَقِّق أيّ من أهداف زيارته الرئيسيّة للسعوديّة، وأبرزها توقيع صفقات أسلحة واستِثمارات ضخمة على غرار سلفه ترامب (460 مِليار دولار)، والتزام سعودي خليجي بضخ كميّات إضافيّة من النفط لخفض أسعاره، لإنقاذ شعبيّته المُتدهورة بسبب وصول غالون البنزين إلى أكثر من خمسة دولارات، ممّا يُؤدّي إلى ارتفاع نسب التضخّم وغلاء المعيشة في أمريكا ومُعظم الدول الغربيٍة، ولعلّ الاتٍصال الذي أجراه الرئيس بوتين مع الأمير بن سلمان قبل خمسة أيّام من زيارة بايدن للسعوديّة لَعِبَ دورًا كبيرًا في هذا المِضمار لما ترتّب عليه من التِزامٍ سعوديٍ باتّفاق “أوبك بلس” وتوطيد العُلاقة بين البلدين في مجالاتٍ عدّة.
ا نستبعد أن يكون الدولار أبرز ضحايا هذه الزيارة التاريخيّة للرئيس الصيني للسعوديّة في حالِ إتمامها، حيت تُؤكّد بعض المصادر الخليجيّة الخبيرة في الشّؤون النفطيّة مِثل الأستاذ عبد الصمد العوضي مُمثّل الكويت السّابق في منظّمة أوبك، أن من أبرز أهداف هذه الزّيارة استِخدام العُملتين السعوديّة (الريال) والصينيّة (اليوان) كبديلٍ للدولار في المُبادلات التجاريّة بين البلدين، وتسعير النفط وتسديد وارداته بالعُملة الصينيّة، ويُمكن الإشارة لتأكيد هذا الاستِنتاج إلى أن حجم الصّفقات النفطيّة “المُسعّرة” بالدّولار عالميًّا تَصِل إلى أكثر من 800 مِليار دولار سنويًّا، وللسعوديّة ودول الخليج حظ كبير فيها، ممّا يعني أن عرش الدّولار سيهتزّ ويبدأ في التفكّك تدريجيًّا، خاصَّةً أن روسيا شريك الصين الاستراتيجي باتت تَفرِض على زُبون غازها ونِفطها في أوروبا تسديد أثمانه بالروبل، وآخِر اتّفاق في هذا المِضمار كان الأسبوع الماضي أثناء قمّة سوتشي بين الرئيس بوتين وضيفه التركي رجب طيّب أردوغان.
لا نعرف كيف سيكون ردّ واشنطن على هذه الزّيارة للرئيس الصيني للسعوديّة حليفتها التاريخيّة في حالِ حُدوثها أو تأكيدها رسميًّا، ولكن ما نعرفه أن الرئيس الصيني سيَرقُص حتمًا رقصة “العرضة” السعوديّة التقليديّة مُلَوِّحًا بالسّيف جنبًا إلى جنب مع العاهل السعودي ووليّ عهده.. والأيّام بيننا
Views: 4