.. لماذا نجزم بأن “انتصار” بوتين أرخص بكثير من هزيمته في أوكرانيا؟ وهل سيكتفي بالتعبئة “الجزئية” وضم ربع أوكرانيا ام سيلجأ الى ترسانته النووية؟ ولماذا الأسبوع المقبل قد يكون الأخطر في التاريخ؟
عبد الباري عطوان
عندما يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الغرب يريد اضعاف روسيا وتدميرها واللجوء الى الإبتزاز النووي، وسنستخدم كل الوسائل المتاحة للدفاع عن النفس، ويعلن التعبئة العامة، وإستدعاء الاحتياط، ويلمح الى استعداده لإستخدام السلاح النووي بكلمات واضحة، فهذا إعلان صريح لحرب عالمية نووية ثالثة، ومن يقول بغير ذلك لا يعرف الرئيس بوتين، ولا روسيا الجديدة التي بناها عسكريا واقتصاديا، وإصراره بالتالي على الانتقام لتدمير الاتحاد السوفييتي الذي كان وما زال من أبرز خريجي مدرسته، فبوتين ليس غورباتشوف الذي باع الاتحاد السوفيتي مجانا للغرب ورفع الرايات البيضاء مسلما بالهزيمة، ولن يكون.
أخطر ما جاء في خطاب الرئيس بوتين الذي القاه اليوم بعد عودته من قمة شنغهاي في سمرقند، ولقائه مع حليفه الصيني شي جيبنيغ على هامشها، تأكيده على إجراء استفتاء سريع (بعد غد الجمعة) لضم أربعة أقاليم اوكرانية الى الاتحاد الروسي هي دونيتسك، ولوغانسك، خيرسون، زابوريجا (توجد فيها مفاعلات نووية)، وتسريع الجدول الزمني للهجوم الروسي المضاد على أوكرانيا، بعد انتكاسة خاركيف العسكرية وانسحاب القوات الروسية المفاجئ منها.
نتائج الاستفتاء في الأقاليم الأربعة الذي سيبدأ يوم الجمعة معروفة، بل معدة مسبقا، ولكن ما هو غير معروف للكثيرين، بأنها عندما تصبح روسية الهوية والجغرافيا، ستخضع للعقيدة الروسية التي تنص على حتمية الرد بالأسلحة النووية على أي هجوم تتعرض له من قبل الجيش الاوكراني او حلف الناتو، أي ان عملية الضم ستكون محمية بالرؤوس النووية.
رئيس قناة “روسيا اليوم” الرسمية والمقرب جدا من الرئيس بوتين تنبأ يوم امس بالسيناريو الروسي الذي كان مهيئا للرد على نكسة خاركيف، عندما قال “ان هذا الأسبوع سيشهد أمرين رئيسيين لا ثالث لهما: الأول اما الانتصار الكبير والحاسم في أوكرانيا، او بدء حرب نووية غير مسبوقة، ولهذا تم الغاء العديد من الفعاليات الترفيهية، لان هذا الوقت ليس وقت ترفيه وانما وقت حرب”.
الجنرال سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي أعلن ان حكومة بلاده ستستدعي 300 ألف جندي إحتياط، أي أقل من واحد في المئة من القدرات التي يمكن استدعاؤها، من مجموع 25 مليون جندي، اعتبارا من اليوم الأربعاء، ولهذا علينا ان نتوقع حربا ضروسا، وتغييرا شاملا وجذريا في قواعد الاشتباك الروسية في حرب أوكرانيا في الأيام القليلة المقبلة.
الرئيس بوتين بدأ يدرك جيدا انه لا يحارب زيلينسكي وقواته في أوكرانيا وانما الولايات المتحدة الامريكية والغرب، لان “هزيمة” قواته في خاركيف جاءت نتيجة تدفق ما قيمته عشرات المليارات من صفقات الأسلحة الحديثة والمتطورة، وتوظيف أقمار صناعية، وأكثر من 29 جهاز استخبارات عسكرية وأمنية في جميع دول حلف الناتو في خدمة الهجوم المضاد الذي استخدم في حرب إعلامية دعائية ضخمة لزعزعة أمن واستقرار روسيا الداخلي وخلق بلبلة في أوساط الرأي العام الروسي وهز ثقته برئيسه وقواته المسلحة، وانقلاب الجيش ضده، ولكن يبدو ان هذه الخطة جاءت بنتائج عكسية جدا، لقراءتها الخاطئة، وقصيرة النظر لرد فعل الرئيس الروسي.
قلناها في هذا المكان، ولا نتردد في تكرارها مرة أخرى، وهي ان انتصار الرئيس الروسي في حرب أوكرانيا أسهل وأرخص بكثير وأقل تكلفة، من هزيمته، لأنه لا يمكن ان يقبل بهذه الهزيمة، حتى لو اضطر لاستخدم أكثر من 7000 رأس نووي في ترسانته العسكرية، وصواريخه الأسرع من الصوت، والعابرة للقارات.
ما لا تفهمه الولايات المتحدة وقيادتها ان الرئيس بوتين ليس معمر القذافي (ليبيا)، ولا صدام حسين (العراق)، ولا الملا عمر (أفغانستان)، وان روسيا اليوم ليست روسيا المهزومة على أيدي حرب المجاهدين الأفغان بالإنابة في أفغانستان، ومن الصعب ان تنتصر في حرب في أوكرانيا التي تبعد عنها أكثر من 5000 كم.
العالم كله يقف الآن على حافة الدمار الشامل بسبب رغبة الرئيس الأمريكي جو بايدن في “تركيع” روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية وحرب الاستنزاف، وناسيا او متناسيا ان هذه العقوبات التي فشلت في ايران والصين وفنزويلا لا يمكن ان تنجح في روسيا.
لا بديل عن المفاوضات، وتخلي أمريكا عن غطرستها وغرورها، وتحرك الحكماء في أوروبا لنزع فتيل الحرب النووية وبأسرع وقت ممكن، لأنهم وبلادهم وشعوبهم سيكونون ابرز ضحايا أي حرب نووية قادمة، وتبدو شبه مؤكدة بالنظر الى التطورات المتسارعة على الأرض.. والأيام بيننا
Views: 1