د . تركي صقر – رئيس التحرير
مع قدوم فصل الشتاء القارس في أوروبا تدخل القارة العجوز في أتون أزمة حادة بسبب شح الوقود بعد أن انقطعت إمدادات الغاز والنفط الروسيين بشكل كامل عن الدول الأوروبية التي أذعنت للأوامر الصادرة إليها من البيت الأبيض وانساقت وراء السياسة الأمريكية بفرض العقوبات على روسيا وذهبت وعود الرئيس الأمريكي جو بايدن بتأمين البديل أدراج الرياح، وحتى إذا أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية شحنات الوقود وبالأخص الغاز إلى أوروبا فستكون أسعاره لاهبة، تصل إلى أربعة أضعاف، كما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قمة بروكسل قبل أيام.
وليس موضوع الطاقة وحده الذي يسبب الصداع للدول الأوروبية وإنما استنزاف ميزانياتها بعد أن أمرتها واشنطن بتقديم الأسلحة والمساعدات المالية الضخمة لأوكرانيا والمقدرة حتى الآن بمئات مليارات الدولارات فهي؛ أي واشنطن تريد أن تحارب روسيا في أوكرانيا حتى آخر يورو أوروبي وحتى آخر أوكراني وهي تتفرج من دون أن تخسر نقطة دم واحدة ومن دون أن تخسر دولاراً واحداً بل على العكس من ذلك، فقد جلبت الحرب في أوكرانيا لها المليارات من صفقات السلاح ومن ارتفاع أسعار النفط والغاز.
وبنت إدارة بايدن حساباتها منذ البداية على أن العقوبات التي فرضتها على روسيا وتجاوزت أحد عشر ألف عقوبة والحصار الأوروبي والأمريكي غير المسبوق سوف يجعل موسكو «تركع على قدميها» ولكن هذه الحسابات جاءت خاطئة تماماً، وحصل العكس بالاقتصاد الروسي الذي شهد انتعاشاً كبيراً بفضل ارتفاع أسعار الغاز ودخل الميزانية الروسية في الأشهر الستة الأولى من الحرب أكثر من ١١٦ مليار دولار وبذلك انقلب السحر على الساحر وحتى رهان واشنطن على إطباق الحصار على روسيا قد فشل فشلاً ذريعاً، فعلاقات روسيا ازدادت مع الدول الإفريقية وزادت مع دول الخليج وتأكدت مع الصين والهند وتعمقت مع إيران ودول «بريكس».
وبعد أشهر من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تبين أن الخاسر الأكبر من هذه الحرب هو الدول الأوروبية وأن الرابح الأكبر هو الولايات المتحدة الأمريكية وتعمل باستمرار لإطالة أمد الصراع لزيادة أرباحها، وفيما يستمر الصراع يستمر استنزاف أوروبا ويستمر تخبطها وتدب الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي كالخلاف المحتدم هذه الأيام بين أكبر دولتين ألمانيا وفرنسا ما يهدد بتفكيك هذا الاتحاد وربما قبل انتهاء الصراع في أوكرانيا وهذا نتيجة التبعية الأوروبية العمياء للسياسة الأمريكية.
tu.saqr@gmail.com
Views: 7