مثلما كشف في لقاءٍ مُغلق مع نُخبةٍ من الصّحافيين البريطانيين؟ وهل باتت الوِصاية الهاشميّة على الأقصى تُواجِه أخطَرَ أيّامها؟ وكيف سيكون الرّد على احتِمالات قويّة لعودة صفقة القرن وخطر الوطن البديل؟
في لقاءٍ جمعه مع نُخبةٍ من الصّحافيين البريطانيين في لندن أثناء توقّفه فيها قبل عام بعد مُشاركته في قمّة المناخ في غلاسكو قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن أكثر ما يُقلقه هو عدم التوصّل إلى سَلامٍ في المِنطقة يُجنّبها خطر الحرب وعدم الاستِقرار بالتّالي هو أمْران رئيسيّان: الأوّل، عودة نِتنياهو إلى رئاسة الوزراء في تل أبيب، ودونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لأنّ سِياسات هذا الثّنائي ومواقفهما المُتطرّفة لا تُبَشِّر إلا بالاضطرابات السياسيّة والأمنيّة، وللأردن خاصَّةً.
وشرح لنا أحد الصّحافيين الذي حضر هذا اللّقاء الذي انعقد في نادٍ للمُحافظين في شارع البيكاديلي قُرب مركز العاصمة البريطانيّة، أن مخاوف العاهل الأردني تتمثّل في عدّة نقاط:
-
الأولى: أن يُقدِم نِتنياهو على إلغاء الوصاية الهاشميّة عمليًّا والسّماح باقتِحام المُتطرّفين اليهود المسجد الأقصى وباحاته والصّلاة فيه وإلغاء هُويّته العربيّة والإسلاميّة.
-
الثانية: القيام بأعمال تهجير العشرات أو مِئات الآلاف من مُواطني الضفّة الغربيّة إلى الأردن في إطار خططه (نِتنياهو) لتطبيق صفقة القرن وضمّ الضفّة الغربيّة، الأمر الذي سيُفاقِم من أزَماتِ الأردن السياسيّة والاقتصاديّة، ويُعَرّضه لخَطرٍ وجوديّ.
ad
الخطر الأول تحقّق الأُسبوع الماضي عندما فاز نِتنياهو وكُتلته الليكوديّة المُتطرّفة في الانتِخابات التشريعيّة الإسرائيليّة (الكنيست) بأغلبيّة أربع مقاعد، مُعتَمِدًا على مقاعد أكثر الأحزاب اليهوديّة كراهيةً للعرب، وكان حزب إيتمار بن غفير تلميذ الحاخام كاهانا هو أبرزها، وبن غفير هذا يُقيم في مُستوطنة كريات أربع قُرب الخليل، وهو الذي يُطالب بإلغاء الوصاية الهاشميّة وطرد حُرّاس الأقصى وخدمه التّابعين لوزارة الأوقاف الأردنيّة، وفتْح باحات الأقصى أمام اليهود للصّلاة، تمهيدًا لاقتِلاعه وبناءِ هيكل سُليمان على أنقاضه.
أمّا الخطر الثاني، وهو عودة ترامب، وصِهره ومُستشاره الصّهيوني جاريد كوشنر فقد باتت عودته على بُعدِ عامين حيث أكّد ترامب أنّه سيترشّح في الانتِخابات الرئاسيّة المُقبلة، ويقود حاليًّا حملات التّحشيد لفوز حزبه الجُمهوري في الانتِخابات التشريعيّة النّصفيّة غدًا الثلاثاء حيث تُشير مُعظم استِطلاعات الرّأي إلى احتِمالٍ كبيرٍ لفوزه بمقاعد تُحَقِّق له الأغلبيّة في مجلسيّ النوّاب والشّيوخ.
صفقة القرن التي يتبنّاها كوشنر ويُؤيّدها نِتنياهو وطرحها الأخير في مُؤتمر أُقيم خِصّيصًا برئاسته للتّرويج لها في المنامة، وبحُضور مُمثّلين عن حُكوماتٍ عربيّة، من بينها حُكومة الأردن للأسَف، قد تعود إلى الواجهة مُجَدَّدًا في الأيّام، أو الأشْهُر، القليلة المُقبلة، وبعد اكتِمال تشكيل الحُكومة الإسرائيليّة الجديدة، وانخِراط عدّة دول عربيّة في “سلام أبراهام” وتوقيع اتّفاقات تطبيعٍ وتنسيقٍ أمنيّ واقتصاديّ مع دولة الاحتِلال مِثل الإمارات والبحرين والمغرب وبدَرجةٍ أقل السّودان، بالإضافة إلى الأردن ومِصر، ولا ننْسَى السّلطة الفِلسطينيّة وتنسيقها الأمنيّ.
العُنوان الأبرز لصفقة القرن هو تحويل الأردن إلى وَطنٍ بديل بعد ضمّ الضفّة، وتفريغها من مُعظم أهلها، والأشهر القادمة هي الأكثر مُناسبةً وإغراءً لترجمتها على الأرض، حيث ينشغل العالم بالحرب الأوكرانيّة والأزمات الاقتصاديّة السياسيّة المُترتّبة عليها، ونِتنياهو تربطه علاقات جيّدة مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين والدّولة العميقة في أمريكا أيضًا.
الأردن يجب أن يستعدّ لهذا التّهديد الخطير لهُويّته، وأمْنِه، واستِقراره القادم من غرب النّهر، أيّ من دولة الاحتِلال الإسرائيلي وحُكومتها الجديدة المُتطرّفة التي يتباهى بعض وزرائها المُحتَملين بقتْلِ العرب، ويضعون هدف طردهم من الأراضي الفِلسطينيّة على قمّة جدول أعمالهم.
الاستِعدادات الأردنيّة للمرحلة المُقبلة ومُفاجآتها الخطيرة، التي ربّما تكون مدعومةً من حُكوماتٍ عربيّة يجب أن تتمثّل في عدّة خطوات:
-
الأولى: تعزيز الجبهة الداخليّة الأردنيّة بالوحدة الوطنيّة، وإزالة الخِلافات، والتِفاف الجميع حُكومةً وشعبًا حول استراتيجيّةٍ وطنيّةٍ عُنوانها الأبرز التصدّي لهذه المُؤامرة وإفشالها.
-
الثانية: تشكيل حُكومة طوارئ تضم قِيادات سياسيّة وعشائريّة وطنيّة تحظَى بدَعمٍ شعبيٍّ من المُكوّنين الفِلسطيني والأردني تملك صلاحيّات حقيقيّة لتهيئة البِلاد والتصدّي لكُل ما يُمكن أن يُهَدّدها وأمنها واستِقرارها وهُويّتها.
-
الثالثة: دعم الانتِفاضة في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، وخاصَّةً “عرين الأسود”، والتّلويح بتحويل الأردن إلى جبهةِ مُواجهةٍ للاحتِلال وجرائمه مثلما تطرح شخصيّات وطنيّة عديدة من بينها الشيخ طراد الفايز، الشخصيّة الوطنيّة الأردنيّة المعروفة بطرحها التّوحيدي، والترفّع عن المعايير والتّقسيمات العِرقيّة، والنّظرة إلى جميع المُواطنين الأردنيين كشَعبٍ واحِد بعيدًا عن مَقولةِ الأُصول والمنابت.
الأردن يملك أوراق قوّة كثيرة ومُؤثّرة يُمكن أن يُوظّفها في الرّد على أيّ استِفزازات إسرائيليّة مُهينة، وهو أقوى ممّا يتوقّعه الكثيرون في دوائر الدّولة الأردنيّة العميقة الذين يميلون إلى الانحِناء أمام العواصف الإسرائيليّة، ويُفَضِّلون دُبلوماسيّة “التّجاهل” بحُجّة ضعف الأردن وتفاقم أزماته الاقتصاديّة.
إسرائيل تعيش هذه الأيّام أضعف أيّامها وتجلّى هذا الضّعف في أقوى صُوره أثناء معركة “سيف القدس” قبل عام حيث عزلت صواريخ المُقاومة دولة الاحتِلال عن العالم لأكثر من 11 يومًا، وزادت من منسوب الهجرة المُعاكسة.
أربع مُسيّرات انتحاريّة تابعة لحزب الله أذلّت إسرائيل، وأجبَرتها وأمريكا على التّعجيل بتوقيعِ اتّفاقِ تَرسيمِ الحُدود مع لبنان، وعلينا أن نتصوّر كيف سيكون الحال في أوساط مُستوطني دولة الاحتِلال لو أنّ صاروخًا أو قذائف هون انطلقت بـ”الخطأ” من الضفّة الشرقيّة إلى مناطق “خالية” في النّقب كنَوعٍ من الإنذار والتّحذير؟ ولا نقول أكثر.
للمَرّة الألف نُؤكّد أن الأردن قويٌّ جدًّا، وكُل ما يحتاجه هو هزّ قِيادته العصا، إن لم يكن استِخدامها في مُواجهة كُل من يُحاول التّطاول على سِيادته وأمْنِه وهُويّته وثوابت شعبه الوطنيّة.
“رأي اليوم”
Views: 8