شهدت الساعات الماضية تحديداً لتواريخ من شأنها ان تغيّر المشهد المالي في لبنان قريباً. فقد أعلنت وزارة المالية، انّه اعتباراً من الاول من كانون الاول 2022 سيبدأ العمل بالدولار الجمركي وفق سعر صرف 15 الفاً للدولار. كما سبقه اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن بدء العمل بسعر الـ 15000 ليرة مقابل الدولار في المركزي ابتداء من أول شباط 2023، وبأنّ التعميمين 151 و158 سيصبحان على 15000 بدلاً من الـ 8000 والـ 12000ألفاً.
تزامن الإعلان عن هذه القرارات تعيين المركزي ثلاثة مديرين مؤقّتين اختصاصيين، للإشراف على ادارة 3 مصارف لم تتمكن من تطبيق كل شروط التعاميم الصادرة عنه، وهي «البركة» و«فدرال بنك» و«الاعتماد الوطني». فهل نحن أمام مرحلة انتقالية ايضاً على صعيد القطاع المصرفي؟ وما سيكون مصير ميزانيات المصارف، إذا ما تمّ تقويمها وفق سعر الصرف الرسمي الجديد؟
يقول المستشار المالي وليد ابو سليمان لـ«الجمهورية»، انّ «الاعلان عن اعتماد سعر صرف جديد هو 15 ألفاً لا يصبّ في خانة الإصلاح المطلوب من البنك الدولي، انما عملياً سيبدأ تطبيقه بعد سير الحكومة بالدولار الجمركي المقرّر بـ 15 الفاً للدولار اعتباراً من مطلع كانون الاول المقبل، وفق ما صرّح وزير المالية يوسف الخليل امس. وبالتالي، انّ هذه الخطوة هي نوع من تكريس للعدالة الاجتماعية، تسمح للمودعين بسحب ودائعهم على 15 الفاً بشكل موازٍ لما يدفعونه».
وتوقف ابو سليمان عند تصريح سلامة الذي قال فيه، إنّ لا سيولة لردّ الدولارات لأصحاب الودائع التي تقلّ عن 100 الف دولار، وبأنّ على الحكومة ان تقوم بالإصلاحات اللازمة ليتأمّن الوفر والسيولة. ورأى في ذلك تثبيتاً بأنّ خطة الحكومة لردّ الودائع التي تقلّ عن 100 الف دولار غير مضمونة، عدا عن انّه إذا تأمّن الوفر والنمو الذي يتحدث عنه سلامة، فإنّ هذه الاموال لن تدخل إلى المصارف لتعود الى المودعين، انما إلى خزينة الدولة كإيرادات. وبالتالي، انّ تصريح سلامة ما هو سوى تكريس لسياسة سابقة، وللنمط المتّبع منذ ثلاث سنوات إلى اليوم، بالمحافظة على الهدوء والتدرّج في ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي بحوالى الـ40 الفاً، إلى حين تأمين خروجه الآمن من السلطة في شهر ايار المقبل.
أما عن خسائر المودعين يقول ابو سليمان: «حدّث ولا حرج. إذ بعدما رُفع سعر اللولار من 3900 الى 8000 ليرة بقيت نسبة الاقتطاع من اموالهم كما هي، وهم موعودون اليوم مجدداً برفع سعر الدولار في المصارف إلى 15 الفاً. وهنا نسأل: هل سيبقى سقف السحوبات نفسه؟ بالتأكيد لا. أضف إلى ذلك، انّ الحاكم سلامة اقرّ خلال حديثه انّ الليرات العالقة في الحسابات ليست بنفس قيمة الليرات النقدية، والفارق يتراوح ما بين 15 الى 20%».
وعمّا إذا كان الأجدى بالمودع ان ينتظر شهر شباط ليسحب امواله على سعر صرف 15 الفاً، قال: «انّ المودع اصلاً يحصل على الفتات من وديعته. فهذان الشهران المتبقيان للسحب على سعر 8000 ليرة ليسا بالأمر المربح، خصوصاً انّ السحب وفق دولار 15 الفاً سيترافق مع خفض سقف السحوبات إلى النصف تقريبا».
ورداً على سؤال، أكّد ابو سليمان «انّ المصرف المركزي يتدخّل بشكل دائم في السوق. وهو أعلن أخيراً انّه لن يتدخّل شارياً في السوق انما بائعاً عبر المنصة. كذلك قال سلامة في تصريحه الاخير، انّ السوق فيها 70 تريليون ليرة لبنانية، وبإمكاننا لمّ كل اللّيرات عندما نقرّر. ولا شك انّه يعول حالياً على قدوم المغتربين والسياح إلى لبنان خلال فترة الاعياد لصرف الدولارات، ما من شأنه ان يهدئ السوق لفترة ويستقر خلالها سعر الصرف. لكن لا شك انّ الدولار في السوق الموازي سيواصل مساره التصاعدي، انما ليس بوتيرة سريعة، بسبب تدخّل المركزي الدائم أقلّه حتى انتهاء ولاية سلامة».
وضع المصارف؟
لا شك انّ لقرار رفع سعر الصرف إلى 15 الفاً تأثيراً كبيراً على ميزانية المصارف ورساميلها التي ستنخفض بشكل ملحوظ، بعد تقويمها وفق سعر الصرف الرسمي الجديد. فكيف ستنعكس هذه التدابير على اموال المودعين ومدخراتهم؟ وهل نشهد سلسلة إفلاسات في الفترة المقبلة؟
يقول ابو سليمان، انّ «الحاكم أبقى خلال تصريحه الاخير موضوع ميزانية المصارف ورساميلها مبهماً، ولذلك تفسيران: اما انّ البحث جار عن استثنائها، او عن إصدار فتوى خاص بها، مثل السماح للمصارف بإعادة تقويم اصولها على اساس سعر الصرف الجديد، واعتبار اصولها رأسمالها. مذكّرا انّه عندما طلب المركزي من المصارف رفع رساميلها بنسبة 20% لم تفعل ذلك من خلال جذب الدولارات الفريش، انما لجأت إلى إعادة تقويم اصولها العقارية ووضعت مقابلها شيكات بالدولار المحلي». وعمّا اذا كان المركزي يعدّ هندسات للقطاع المصرفي، قال: «طالما بإمكان المركزي ان يصدر تعاميم تحدّد سعر الصرف على 15 الفاً، وتُدفع للمودع ضمن سقوف محدّدة، فإنّ المصارف قادرة على الاستمرار بانتظار الحل الشامل».
وبعد تعيين المركزي مدراء مؤقتين لثلاثة مصارف صغيرة، لم يستبعد ابو سليمان ان نشهد في المرحلة المقبلة تعيين مدراء جدد لمصارف أخرى، مذكّراً انّ خطة الحكومة تتحدث عن درس اوضاع أكبر 14 مصرفاً في لبنان فقط يشكّلون 80% من الودائع، وبما انّ لدينا 40 مصرفاً في لبنان، فهذا يعني انّ أكثر من نصف المصارف معرّض لتغيير ادارته بهدف إنقاذه، تماماً كما يحصل مع بنوك «البركة» و«فدرال بنك» و«الاعتماد الوطني».
Views: 6