مَثَّلَ القرارُ الأميركي بالانسحاب من شرق الفرات، صدمةً وجرحاً عميقاً لدى الكرد، يعادل حجمَ الآمال التي بنوها على وجود أميركي مديد في شرق سوريا، وربما وعود أميركية بإقامة ما يشبه الدولة هناك. والآن يريد أردوغان أن يُعيد الكرد إلى جبال قنديل، ثم أن يحاربهم هناك كما حاربهم في عفرين بمجموعاتٍ من المرتزقة والإسلامويين.
مَثَّلَ القرارُ الأميركي بالانسحاب من شرق الفرات، صدمةً وجرحاً عميقاً لدى الكرد
يتردّد في الثقافة الشفاهية الكردية تعبير أثير ومؤلِم في آن، وهو أن "لا أصدقاء إلا الجبال"، وأكثر ما يكون ذلك خلال الأزمات والانكسارات. يحيل التعبير المذكور إلى خيبة عميقة لدى الكرد من الإقليم والعالم، بما في ذلك دور الكرد أنفسهم. وهذه النقطة الأخيرة، قد تكون مفتاحاً مناسباً لتناول الاستجابة الكردية في لحظات التهديد الوجودي، وهل أن ما يقع على الكرد هو من صنع الآخرين فحسب، أم أنهم أحياناً ما يكونوا هم أنفسهم شركاء جديّون في ما هم فيه، أيضاً؟
مَثَّلَ القرارُ الأميركي بالانسحاب من شرق الفرات، صدمةً وجرحاً عميقاً لدى الكرد، يعادل حجمَ الآمال التي بنوها على وجود أميركي مديد في شرق سوريا، وربما وعود أميركية بإقامة ما يشبه الدولة هناك. والآن يريد أردوغان أن يُعيد الكرد إلى جبال قنديل، ثم أن يحاربهم هناك كما حاربهم في عفرين بمجموعاتٍ من المرتزقة والإسلامويين.
يمكن الحديث هنا عن أنماطٍ من الاستجابة الكردية حيال التهديد التركي الماثل والوشيك؟
الأول هو الاستجابة التلقائية التي ظهرت من خلال رفض القرار الأميركي، وذهاب وفد من "قسد" إلى باريس طالباً من هناك فرض حظر جوي في شمال سوريا، وقد حصل على تضامن فرنسي وإلى حد ما بريطاني، أبسط ما يقال عنه أنه شكلي وبلا معنى تقريباً، وقد قالت أنقرة انه "لا طائل منه".
الثاني هو الذهاب إلى روسيا وإيران، وطلب مساعدتهما في احتواء خطط تركيا الرامية إلى تفكيك الإدارة الكردية أو الكيانية في شرق الفرات، وفرض واقع بديل، يشبه ما قامت به في عفرين. ومن غير الواضح حتى الآن كيف كانت استجابة موسكو وطهران، إلا أن القراءة التقديرية ترجّح عمل حليفي دمشق على دفع الكرد باتجاه الأخيرة، مع شعورهما بأن أنقرة غير مستعدّة لسماع نصائحهما وتقديراتهما بهذا الخصوص، وخاصة أن لديها تفويضاً أميركياً لطالما سعت للحصول عليه.
الثالث ويمكن أن نسمّيه "مسار عفرين"! بمعنى أن يسيء الكرد تقدير الموقف ويركنوا إلى مدارك نمطية حيال الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، من أنهم لا يمكن أن يتخلّوا عنهم، أو أن يتمسّكوا بمطالب "غير واقعية" حيال دمشق، وبالطبع حيال موسكو وطهران، ما يُعطي أردوغان والجماعات الموالية له فرصة ثمينة لاستهدافهم وتفكيك إدارتهم وفدراليّتهم، وتوسيع نطاق سيطرته في شرق سوريا. وإذا لم يقرأ الكرد تجربة عفرين جيّداً، فمن المرجّح أن تصبح سيرتها نمطاً ومنوالاً لتركيا وحلفائها ضدّ سوريا وضدّ الكرد أنفسهم.
الرابع وهو السعي باتجاه دمشق، وهو الأضعف حتى الآن، وهذا ما يثير الاستغراب بالفعل، إذ كيف يمكن أن يكون ذهاب الكرد إلى باريس وموسكو وطهران أقرب وأيسر من الذهاب إلى دمشق، يبدو أن ثمة تراكمات ثقيلة بالفعل، فجوة كبيرة، لم يحرص أحد –كما ينبغي- على تقليصها أو تجسيرها.
صحيح أن بعض منابر الإعلام الكردية طالبت دمشق بأن تتّخذ المبادرة للدفاع عن منطقة الجزيرة، إلا أن القياديين الكرد لم يقوموا حتى الآن "بما يلزم" باتجاه دمشق، وهم يقولون في أحاديثهم وحواراتهم كلاماً جميلاً ومشجّعاً بالفعل، إلا أن المواقف الرسمية تأتي خلاف ذلك. ولا بدّ من البحث عن نقطة الخلل وموقع العطب الرئيس في ذلك.
يبدو المشهد من منظور الكرد مختلفاً جداً، إذ يرون أن دمشق لا تعرض عليهم شيئاً تقريباً، حتى من باب التشجيع أو المجاملة بما يمكّنهم أن يبلّغوه لجمهورهم، وحتى لخصومهم، العرض الأقرب من دمشق هو "العودة إلى حضن الوطن"، والعودة أحمد!
ثمة غربة واغتراب كاملان تقريباً بين الكرد ودمشق، ثقة مفقودة تقريباً، وإذا لم يجر تقدير جدّي للمخاطر، فسوف تكون الخسائر أكبر مما يتوقّع الجميع. الخيار الأقلّ تكلفة والأكثر عائدية هو إعادة تأهيل عاجلة لخط القامشلي دمشق.
Views: 4