ولماذا استنزفت هذه الحرب معظم مخازن دول حلف الناتو من السلاح بعد 9 أشهر فقط؟ وكيف سيكون رد بوتين؟
عبد الباري عطوان
أوكرانيا تطلب النجدة من حلف الناتو، وتشتكي مرّ الشكوى من نفاد الذخيرة والمعدات العسكرية، ويستجدي وزير خارجيتها دميترو كوليبا من نظرائه في الحلف دفاعات جوية متطورة للتصدي للطائرات والمسيّرات الروسية لحماية البنية التحتية لبلاده التي بات معظمها في حالة دمار.
ثلث إمدادات الكهرباء في أوكرانيا باتت مقطوعة بفعل القصف الصاروخي الروسي، وثلث آخر متقطع، وبات أكثر من 15 مليون اوكراني على الأقل يعيشون في ظلام مطبق، ودون تدفئة، ومن غير المستبعد ان ينضم اليهم الثلث الأخير في الأسابيع القليلة المقبلة، في ظل تصاعد هذا القصف.
مخازن معظم دول حلف الناتو، او بالأحرى في 20 دولة من مجموع 30، باتت شبه خاوية من القذائف والذخائر بسبب دعم الجيش الاوكراني، فمنذ إنهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينات من القرن الماضي، اعتقدت معظم الدول الأوروبية ان التهديد السوفييتي قد تراجع الى الصفر بعد حل حلف وارسو، ولهذا أقدمت على تخفيض ميزانيتها الدفاعية، وقلصت كثيرا الإنفاق في صناعة الأسلحة، ولم يخطر في بال قيادتها ان الحرب ستنتقل الى أوروبا، واندلاع صراع يهدد أمنها واستقرارها مثل الحرب الأوكرانية.
حتى نقرّب الصورة، ونجعلها أكثر وضوحا، نستعين بالإحصاءات الامريكية التي تقول انه أثناء الحرب الأفغانية كانت أمريكا وحلفاؤها في حلف الناتو يطلقون 300 صاروخ وقذيفة يوميا، ولا يوجد أي خطر جوي يهددهم وقواعدهم من قبل حركة الطالبان (لا تملك طائرات حربية ولا مسيّرات) الآن الصورة تغيرت، وباتت القوات الأوكرانية تطلق 7 آلاف قذيفة مدفعية على أهداف روسية في إقليم “دونباس”، مقابل 40 الى 50 ألف قذيفة تطلقها الدفاعات الروسية يوميا على البنى التحتية والاهداف العسكرية الأوكرانية وتزداد هذه المعادلة تعقيدا اذا عرفنا ان مصانع السلاح الامريكية تنتج 15 الف قذيفة مدفعية كل شهر حسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قبل بضعة أيام، حتى ان حلف الناتو يدرس حاليا إعادة ترميم مصانع الأسلحة السوفييتية في دول مثل التشيك وسلوفاكيا وبلغاريا لإنتاج القذائف المتماهية مع الأسلحة الأوكرانية الحالية.
الإدارة الامريكية التي لجأت “مؤقتا” الى كوريا الجنوبية ودول أخرى للحصول على قذائف مدفعية وصاروخية قصيرة المدى لسد النقص في مخازن الترسانة الأوكرانية، تشعر بالتأزم والقلق، لأنها لا تريد تحويل الأسلحة الثقيلة والقذائف سواء في مخازن حلفائها، او مخازن قواعدها في تايوان واليابان وكوريا الجنوبية الى اوكرانيا في ظل التوتر المتصاعد مع الصين وكوريا الشمالية، وتزايد إحتمالات المواجهة معهما على ارضية التهديدات الصينية بإعادة ضم تايوان.
أوكرانيا تريد صواريخ ارض ارض بعيدة المدى لضرب اهداف في روسيا ودونباس وشبة جزيرة القرم، علاوة على طائرات حربية ودبابات، ولكن تلبية هذه المطالب تعني تصعيد احتمالات الحرب المباشرة مع روسيا، وهذا خط أحمر حتى الآن، لان رد الأخيرة قد يكون مزلزلا، وهذا ما يفسر إرسال فرنسا راجمات صواريخ لا يزيد مداها عن 70 كيلومترا، أسوة بصواريخ “هيمارس” الامريكية القصيرة المدى (70 كيلومترا أيضا) وامتناعهما ومعهما بريطانيا عن ارسال طائرات حربية ودبابات الى كييف حتى الآن.
المفارقة التي توقف عندها الكثير من الخبراء العسكريين الغربيين ان الجيش الاوكراني يطلق الآن صواريخ تكلف 150 ألف دولار لإسقاط طائرات مسيرة روسية لا تكلف الواحدة منها الا عشرين ألفا في أحسن الأحوال هذا اذا كانت روسية، اما اذا كانت إيرانية الصنع (شاهد 136) فلا تزيد قيمتها عن خمسة آلاف دولار.
وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تدرس حاليا ومثلما قال متحدث بإسمها اليوم (الاربعاء) جميع الخيارات لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي من ضمنها “صواريخ باتريوت”، وهذا تطور خطير قد يدفع الرئيس بوتين الى تصعيد منسوب القصف للبنى التحتية الأوكرانية، وربما قصف هذه الصواريخ ومرابضها، وقطع الكهرباء والمياه عن جميع المدن كرد على هذا الانتهاك الأمريكي لقواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيا.
أمريكا انسحبت من أفغانستان بشكل فوضوي مهين للإستعداد لحرب أوكرانيا التي خططت لها مسبقا ودون التنسيق مع حلفائها في حلف الناتو، من أجل توفير ذخائرها وصواريخها ومعداتها للحرب الأوكرانية لإستنزاف روسيا، مثلما تبين في أحدث الوثائق الامريكية، وبعد تسعة أشهر من الحرب، وبدء موسم الصقيع جاءت النتائج عكسية تماما.
صواريخ “الباتريوت” لن تفيد الاوكرانيين، ولن تمنع تدمير الروس لبناهم التحتية، وهي التي فشلت بشكل ذريع في حرب اليمن، وربما تسرع بالمواجهة مع الروس والحرب النووية.
نختم هذه المقالة بتغريدة لديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي (نائب بوتين) نشرها على حسابه على السوشيال ميديا، قال فيها “ان حلف الناتو منظمة إجرامية، نظمت تدبير الانقلابات والإطاحة بزعماء شرعيين، وسقوط الملايين من الضحايا المدنيين، ولهذا يجب ان “يتوب” ويفكر في جرائمه ويحل نفسه”.
لا نعتقد ان الحلف سيستمع الى هذه النصيحة، ولكن ما نعرفه، ومن خلال دورس التاريخ ان مصيره يقترب من حلف نظيره الروسي “حلف وارسو” وبشكل متسارع، ومثلما كانت أفغانستان هي مقبرة الأخير، قد تكون أوكرانيا مقبرة حلف الناتو، وقد يكون جو بايدن او من يخلفه هو “غورباتشوف” التحالف الغربي.. والأيام بيننا.
Views: 4