يسار العلي – البلاد
يستفيق الحزن في شذرات الحياة وكأنه سرب دمعٍ لا يرتاح من البكاء البتة ..فتنزوي الأكف على الجبين منهكة مثقلة بالجراح
و يهيم القلب لوعةً و تكثر تلافيف سوار العين لترتمي الآهات ألماً و حسرة ووجعا على الفقدان …
نعم اذا هو بوح القمر فقد حلف يميناً بأنك منبت الجمال و الانسانية والذوق والرجولة والفن الأصيل والباقي …
وأي عراقةٍ أنت يا أبا وديع يامن ربينا على صوتك و عربكِ السامية كسمو الناي في ليلة صيفية وقت الحصاد ….
وأي كرمٍ حاتمي يفوق الوصف إلى حد الذهول فذات مرة أتتك سيدة من قريتك طالبة ومستغيثة بأن ابنها قد سجن في لبنان لتسارع بالاتصال بمحاميك و تطلب منه دفع الاف الدولارات لاخراجه كم من عظمة أنت وعشرات
القصص عن كرمك وحنيتك …
توالت مآثر العظيم جورج الطيبة في كل الأصقاع إلى حين سماع نبأ وفاة ابنه البكر وديع وهو في ريعان الشباب فسكت الكلام مليا وساد الصمت الرهيب في قلوب اهلهِ ومحبيه…
لم يكن الحزن وحيدا بل جمع المئات والالاف الذين رسموا صورة وديع في بهو قلوبهم وناحوا بصدقٍ ليس له مثيل و محبة اسطورية
لرجل جمع كل مناقب الفروسية والخير والأصالة
يقول داستن هوفمان الأشهر في عالم السينما
من المؤلم جدا أن نشعر أننا نستحق الحياة.
هذا هو الأصعب. أننا نستحق الحياة
هي صعوبة الحياة اذاً وتسليمنا بفحوى القدر
وماهيته
فالحياة ألم وأمل على حد سواء ولايربت كتفها سوى الصبر و الايمان
وفي ليلة وداع وديع بكت النايات و لاذ الدمع
تائه من شدة الكدر و الغم
وسقت الشمس وديانها بحزم ضوءٍ مبللةٍ بقهر الآباء على غياب الضنى وهام السأمُ على مجمل الوجوه التي ذابت في الصدق وكأن وديعاً فردا
من افراد عائلتهم
يقول أحيحة بن الجلاح، الشاعر الذي عرف ببأسه وقوّته، واستبساله في حربه ضدّ الخزرج، وانصرافه إلى جمع المال، لم يتوان يوماً عن الخوض في أية معركة، ولم تركعه الظروف مهما صعبت، لكننا سنجده ضعيفاً أمام فَقْد ولده. دموعه غزيرة، وقلبه مفجوع، وليله طويل، ووحدته قاتلة:
ألا إن عيني بالبكاء تهلّل
جزوع صبور كل ذلك تفعل
فإن تعتريني بالنهار كآبة
فليلي إذا أمسى أمرّ وأطول
ومثل ابن الجلاح كان جريراً حين رثى إبنه سوادة، يقول:
قالوا نصيبك من أجر فقلت لهم
من للعرين إذا فارقت أشبالي
لكن سوادة يجلو مقلتي لحم
باز يصرصر فوق المرقب العالي
فارقتني حين كفّ الدهر من بصري
وحين صرت كعظم الرمّة البالي
الهمّ يأكل روحه، وبات ضعيفاً جداً بفقد ولده القوي، وبليت نفسه، وما عادت قادرةً على العيش الطبيعي، ولا النظر إلى الدنيا بعين الأمل، لكأنها قد ألقت بأحمالها على كاهله،
وتركته هشّاً جداً
نسأل الله ان يدمغ الصبر في قلب ابي وديع الفنان الكبير جورج وسوف وأن يلهمه السلوان
ليبقى منارة فنية وانسانية فريدة على مر
الأيام
ورحم الله وديعاً واسكنه فسيح جنانه
…….
.
.
Views: 18