بإشعال فتيل حرب العصابات في شرق أوكرانيا؟ ولماذا لا نستبعد ان يكون تعطيل رحلات الطيران المدني الأمريكي هجوما سيبرانيا روسيا كرد على صفقة “الباتريوت”؟ وهل ستتحول أوكرانيا الى أفغانستان جديدة؟
بد الباري عطوان
لأول مرة، ومنذ بضعة أشهر من انتكاسات عسكرية تعرض لها الجيش الروسي فجأة في إقليم دونباس تعلن مجموعة “فاغنر” الروسية سيطرة قواتها على إقليم “سوليدار” وان معارك شرسة تدور حاليا لإحكام السيطرة على بلدة باخموت في الشرق الاوكراني.
أهمية هذا “الإنتصار” الذي حذر ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين من التسرع بالاحتفال به، انه جاء بعد إستيلاء الجيش الاوكراني على العديد من المناطق في شرق اوكرانيا التي جرى ضمها لروسيا رسميا، وقصف مركز للقوات الروسية أدى الى مقتل أكثر من مئة جندي واصابة المئات قبل أسبوعين.
صحيح ان قوات مجموعة “فاغنر” هي التي خاضت المعارك في سوليدار وجاء إعلان السيطرة عليها من قبل رئيسها يوجين بريغوجين، ولكن هذا لا يعني ان الجيش الروسي لم يكن له دور كبير في هذا “الإنجاز”.
مجموعة “فاغنر” التي يدعي مؤسسوها انها مستقلة عن السلطة الروسية، وتتخصص في تجنيد “قوات المرتزقة” وخاصة من الجنود والجنرالات المتقاعدين الروس، لا يمكن ان تعمل بدون التنسيق والتوجيه مع الجيش الروسي، وتأتمر بأوامر جنرالاته، وهذا ما يفسر نشاطاتها في كل من اوكرانيا وسورية وليبيا وعدد من الدول الافريقية.
الشركة توفر للحكومة الروسية قوة عسكرية تستطيع انكارها والتنصل منها، وإخلاء مسؤوليتها عن عملياتها العسكرية، ويقول تحقيق أجرته محطة “بي بي سي” البريطانية ان مؤسس هذه “الشركة” يفغيني بريغوزين المعروف باسم طباخ بوتين، ويعتبر واحد من أغنى رجال الأعمال (الاوليغارش) الروس، ودعمت “الشركة” المشير الليبي خليفة حفتر وقواته في ليبيا، وتقول تقارير غربية ان 5000 “مرتزق” مدرجين في دفاتر هذه المجموعة، ألف منهم يقاتل حاليا في أوكرانيا، والرقم مرشح للارتفاع بشكل متسارع هذه الأيام.
دخول الميليشيات على خط الحرب في أوكرانيا قد يكون استراتيجية جديدة تلجأ اليها روسيا لخوض حرب عصابات ضد القوات الأوكرانية خاصة في منطقة دونباس في الشرق والجنوب، وهذا تطور خطير قد يكون مقدمة للاستعانة بميليشيات مماثلة في مناطق عديدة في العالم، وخاصة منطقة الشرق الاوسط، وبعض الجمهوريات الإسلامية التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي.
خطورة هذه الميليشيات في حالة توسع دائرة تورطها في الحرب الأوكرانية، قد لا تكون منحصرة في ميادين القتال في أوكرانيا، وانما ربما في فترة ما بعد توقف الحرب، نتيجة لإتفاق وقف اطلاق النار، او لحسم الحرب من قبل احد المعسكرين المتواجهين فيها، على غرار ما حدث للمجاهدين العرب والمسلمين في حرب الجهاد الافغاني للإطاحة بالنظام الشيوعي في كابول، وهزيمة القوات السوفياتية ولعل حركتي “القاعدة” و”طالبان” الدليل الأبرز الذي يؤكد ما نقول.
القيادة العسكرية الروسية لم تستخدم كل قواتها ومعداتها العسكرية المتطورة، وصواريخها الأسرع من الصوت، كما انها لم تعلن التعبئة العامة واستدعاء الاحتياط، ولعل استعانتها بميليشيات “فاغنر” هو بداية تطبيقها تكتيكات عسكرية جديدة.
الرئيس فلاديمير بوتين اعتبر ان تزويد الولايات المتحدة الامريكية أوكرانيا بصواريخ “باتريوت” تدخلا مباشرا في الحرب الأوكرانية لن يمر دون رد، فهل تأخَر، وإلغاء آلاف الرحلات الجوية في أمريكا اليوم (اكثر من 6 آلاف رحلة) هو اول رد بالهجمات الانتقامية السيبرانية على هذا التدخل الأمريكي؟
المسؤولون الامريكيون نفوا هذا الاحتمال وأمر الرئيس جو بايدن بإجراء تحقيق، ولكن خبراء مستقلين، لم يستبعدوا إحتمال الهجوم الروسي السيبراني كليا، ولعل الهجوم كان رسالة تحذير من خطورة التدخل في الحرب الأوكرانية، وارسال منظومات صواريخ “الباتريوت” وتدريب وحدات من الجيش الاوكراني على كيفية استخدامها في قواعد أمريكية، ألم يتم اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الامريكية قبل الأخيرة لصالح دونالد ترامب واسقاط هيلاري كيلنتون؟
تعيين الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قائدا لمجموعة القوات المشتركة في إطار “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا اليوم بهدف “رفع مستواها، بتوسيع نطاق المهام وتحسين نوعية الدعم وفعالية إدارة مجموعات القوات” مثلما جاء في البيان الرسمي، قد يكون بداية استراتيجية عسكرية روسية في الحرب الأوكرانية، ولعل السيطرة على “سوليدار” أحد اول ثمارها.
العام الجديد (2023) لن يكون مثل الذي قبله، ليس بالنسبة للحرب الأوكرانية فقط، وانما للعالم بأسره أيضا، ولعل الغرق التدريجي لامريكا في هذه الحرب، والتصعيد الروسي المضاد، وتململ أوروبا وتمردها شعوبا وحكومات، سيكون العناوين الأبرز للمرحلة المقبلة والبداية “سوليدار
Views: 4