اختار الرئيس الصيني تشي بينغ توقيتاً دقيقاً جداً لزيارته موسكو، فهذه أول زيارة خارجية له بعد انتخابه للمرة الثالثة رئيساً للصين، وهذا له دلالته الكبيرة التي تشير إلى عمق العلاقة الشخصية بين الرئيسين وعمق العلاقات المتنامية باطراد بين البلدين، إضافة إلى أن الزيارة جاءت تماماً في الوقت الذي أصدرت فيه الجنائية الدولية قراراً بأمر من واشنطن باعتبار الرئيس بوتين «مجرم حرب» بسبب الحرب في أوكرانيا، وهو قرار زائف ردت عليه موسكو ولا يحمل أي قيمة تذكر.
ولعلّ أول ما يعنيه قرار محكمة الجنايات الدولية الموجه ضد الرئيس بوتين المكتوب بحبر البيت الأبيض، هو إفلاس إدارة بايدن فيما يتعلق بالحرب الجارية في أوكرانيا التي وضعت الإدارة الأميركية ثقلها وثقل حلفائها في الاتحاد الاوروبي إلى جانب نظام كييف، خلفها.. ولكنها لم تستطع أن تغير في ميزان القوى ولا في مجرى الخطة التي وضعتها موسكو لمواجهة الخطر الذي شكلته النازية الجديدة على روسيا وظلت مؤشرات العملية العسكرية تميل لصالح روسيا رغم الدعم الكبير الأمريكي والأوروبي لزيلينسكي.
والغريب أن واشنطن تسارع إلى استباق مبادرة بكين ذات النقاط الاثنتي عشرة بخصوص أوكرانيا وترفضها، كما رفضت لاحقاً نتائج زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو ومساعيه لحل الأزمة في أوكرانيا، وهذا يقدم دلالة قاطعة على أن إدارة بايدن هي التي خططت لإشعال الحرب في أوكرانيا، وهي التي تريد إطالة أمدها وحشد دول العالم ضد روسيا والانتقام من الرئيس بوتين من خلال محاولة «شيطنته» وتحريض محكمة الجنايات الدولية لإصدار قرار يعدّه «مجرم حرب»، وتأليب الرأي العام العالمي ضد روسيا والشعب الروسي.
لقد أخفقت محاولات إدارة بايدن في إبعاد بكين عن موسكو والاستفراد بكل منهما، وزيارة الرئيس الصيني لروسيا، في مستهل رئاسته الثالثة، دليل على أن ميزان القوى العالمي لم يعد بيد واشنطن، وأن عالم متعدد الأقطاب بدأ يتشكل فعلياً على الساحة الدولية، ولقاء العمالقة ممثلاً بالزعيمين بوتين وشي يشكل خطوة كبيرة باتجاه رفض الأحادية القطبية التي تتمسك بها الولايات المتحدة الأميركية للسيطرة على دول العالم، والسير قدماً نحو عالم متعدد الأقطاب يلغي احتكار واشنطن للقوة العالمية الوحيدة.
Views: 8