.. ووزير خارجيتها يحط الرحال في الرياض للتمهيد لزيارة وشيكة للأسد.. والعقبة القطرية ذابت.. ماذا يجري بالضبط في المنطقة؟ وهل تترسخ الزعامة السعودية لها؟ ولماذا ستكون أمريكا أبرز الفاشلين؟
عبد الباري عطوان
موافقة جميع دول مجلس التعاون الخليجي الى جانب مصر والعراق والأردن على حضور المؤتمر الذي دعت المملكة العربية السعودية لانعقاده في مدينة جدة الجمعة المقبلة، لمناقشة بند واحد على جدول الاعمال وهو عودة سورية الى الجامعة العربية، يعني عمليا ان الرئيس السوري بشار الأسد، او من ينوب عنه سيحتل مقعد سورية “الشاغر” منذ عشر سنوات، في القمة العربية القادمة في الرياض الشهر المقبل، وستعود معظم السفارات العربية والخليجية الى دمشق في غضون أسابيع.
وزراء الخارجية العرب الذين لبوا الدعوة السعودية للمشاركة لن يذهبوا من أجل النقاش، وانما المصادقة على عودة سورية أولا، وتكريس قيادة المملكة العربية السعودية، السياسية والاقتصادية للعالم العربي ثانيا، فمن يريد ان يعارض الجهود السعودية لعودة سورية، لا يذهب الى هذا الاجتماع بالأساس، ويوفر على نفسه الكثير من الحرج، ويقف خارج السرب العربي، ولا يستوعب المتغيرات العالمية وإملاءاتها في الوقت الخطأ.
القيادة السعودية، باتخاذها هذا الموقف بعودة سورية، تتحدى الولايات المتحدة الامريكية وتوجه اليها صفعة ثالثة او رابعة، قوية جدا، استكمالا لمسلسل الصفعات السابقة التي تمثلت في إهانة الرئيس جو بايدن اثناء زيارته الى الرياض، ورفض مطالبه في زيادة انتاج النفط، والتحالف مع روسيا (اتفاق اوبك بلس) في هذا المضمار، ودعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ الى الرياض وتكريمه بعقد ثلاث قمم، سعودية وخليجية وعربية، وأخيرا رعايته لاتفاق المصالحة وعودة العلاقات بين الرياض وطهران.
الولايات المتحدة التي حشدت أكثر من 65 دولة، ورصدت ما يقرب من 300 مليار دولار لحصار سورية في محاولة لإسقاط نظامها، تواجه هزيمة سياسية ودبلوماسية كبرى ثلاثية الأبعاد، اولها فشل حصارها على سورية، وتمرد دول خليجية بقيادة أكبر حلفائها على هيمنتها، أي السعودية، وكسر هذا الحصار، وإعلان وفاته، ومن ثم دفنه، وإقامة سرادق عزاء تمهيدي في مدينة جدة بحضور وزراء خارجية الدول المشاركة في مؤتمرها التشاوري القادم.
وصول وزير الخارجية السوري السيد فيصل مقداد الى الرياض فجأة لأول مرة منذ عام 2011 جاء تأكيدا على بدء عودة بلاده للعمل العربي المشترك والجامع، وربما التمهيد لزيارتين قادمتين الأولى لنظيره السعودي للعاصمة السورية حاملا دعوة رسمية للرئيس الأسد لزيارة الرياض، على غرار زيارتيه لابو ظبي ومسقط، وتسليمه الدعوة للمشاركة في القمة العربية لاحقا.
توقيت زيارة المقداد للرياض وقبل يومين من انعقاد مؤتمر جدة المذكور آنفا، يؤكد ان عودة سورية للجامعة، وعبر البوابة السعودية الاوسع أصبح تحصيل حاصل، وتأكيدا للمؤكد، وإشهارا لسياسة “تصفير” المشاكل والخلافات العربية التي تقودها حاليا القيادة السعودية.
عقبة واحدة رئيسية وأخرى ثانوية، كانتا تقفان حجر عثرة في طريق العودة السورية، الأولى رفض دولة قطر، والثانية تحفظ الكويت غير المفهوم، وربما ينحصر التفسير الوحيد بعدم اغضاب الإسلام السياسي المتجذر في الدولتين، فقطر هي التي قادت إبعاد سورية في القمة العربية التي انعقدت في الدوحة عام 2013 وسلمت مقعدها للمعارضة السورية ممثلة في شخص معاذ الخطيب، ولكن بمجرد قبولها الدعوة للمشاركة في قمة جدة ممثلة بالشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية، يعني ذوبان هذه العقبة، وجاء تصريح السيد ماجد الانصاري المتحدث باسم الخارجية القطرية بأن بلاده ستلتزم بالإجماع العربي بشأن عودة سورية، وستشارك في مؤتمر جدة، ليؤكد عودة دولة قطر للسرب العربي، والانسجام مع سياساته الجديدة، وهذا قمة المرونة والواقعية السياسية.
لا يمكن ان ننسى في هذه العجالة الخطوة التونسية المشرفة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بإعادة فتح السفارة السورية في عاصمة بلاده منسجما مع مواقف الأغلبية الساحقة من أبناء شعبه، وواضعا المعارضة التي اغلقتها بضغط امريكي وطلب تركي في موقف حرج للغاية، ولا أكشف سرا عندما أقول ان الرئيس قيس سعيد الذي اعتبر التطبيع خيانة، كان يخطط للإقدام على هذه الخطوة، وبالتنسيق مع الجزائر، منذ عدة اشهر.
سورية، وفي ظل هذه العودة العربية الجماعية المظفرة اليها، تتجاوز آخر حلقات مؤامرة التفتيت الامريكية التي استهدفتها طوال السنوات السوداء الـ 12 الماضية، ولا بد من الاعتراف بأن هناك ثلاثة ركائز رئيسية تقف خلف هذا الانتصار: أولها، صمود قيادتها وجيشها الأسطوري، وثانيها، التفاف الحاضنة الشعبية حولهما بقوة وتحمل الكثير من المعاناة وتقديم الشهداء، وثالثها، دعم الحلفاء الاصلاء الشرفاء، ونحن نتحدث هنا عن ايران وروسيا ودول محور المقاومة (حزب الله) واذرعها.
بعودة سورية، وعبر بوابة سعودية عنوانها الأبرز “تصفير” المشاكل والخلافات العربية، وفك الارتباط تدريجيا وبخطوات محسوبة مع واشنطن والغرب، والانضمام الى النظام العالمي الجديد بقيادة روسيا والصين، ووضع المصالح العربية أولا، قد تعود مؤسسة القمة العربية الى رونقها وصحوتها، او هكذا نأمل، على أساس القاعدة الذهبية التي تقول “تفاءلوا خيرًا تجدوه”.. والأيام بيننا
Views: 18