من المفترض عند صدور مؤشر أسعار السلع الإستهلاكية لشهر نيسان والذي يُنشر في أول يوم عمل بعد 20 أيار، ألا يسجّل زيادة نظراً الى استقرار سعر صرف الدولار.
فالدولار سجّل في بداية شهر نيسان 107 آلاف ليرة وتابع تراجعه ليستقرّ على 97 الف ليرة لبنانية في نهاية الشهر، مقارنة مع تقلّبات وارتفاعات مستمرة في آذار بدأت من 89 ألف ليرة في بداية الشهر وصولاً الى 143 ألف ليرة في 11 آذار، قبل ان يعاود تراجعه الى 107.5 ليرات في نهاية الشهر.
إذاً من حيث المبدأ ووفق القاعدة الحسابية، يجدر استقرار أو تراجع التضخم أو مؤشر أسعار الإستهلاك في نيسان، ولكن على أرض الواقع ما يفعله بعض التجّار وزيادة أسعار السلع من خلال رفع تسعيرتها بالدولار للمحافظة على العائد نفسه بل على الربحية نفسها وربما اعلى، يجعل من تلك القاعدة استثناءً في لبنان خصوصاً في ظلّ الإنكار المستمرّ من قبل التجّار بإقدامهم على تضخيم أسعار السلع حتى بالدولار. من هنا من المرتقب عدم تسجيل مؤشّر أسعار الإستهلاك انخفاضاً استناداً الى توقّعات خبراء استطلعت “نداء الوطن” آراءهم.
إرتفاع في آذار
وكان مؤشّر أسعار الإستهلاك إستناداً الى إدارة الاحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء سجّل زيادة في شهر آذار 2023 بنسبة 33,27 % مقارنة مع شباط 2023 حينما كان سعر صرف الدولار في بدايته 59 ألف ليرة وفي نهايته نحو 85 ألف ليرة. أما على صعيد سنوي ومقارنة مع آذار 2022 فسجل مؤشّر أسعار الإستهلاك لشهر آذار 2023 ارتفاعاً بنسبة 263,84%.
ويعتبر مؤشر اسعار الإستهلاك CPI الذي يصدر شهرياً عن إدارة الإحصاء المركزي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، أحد مؤشرات الإقتصاد الكلّي، فهو مصدر موثوق معتمد من قبل الحكومات والجهات الإقتصادية. ويقسّم المؤشر حسب أبواب إنفاق الأسر المعيشية والأوزان الترجيحية أو التثقيلات (الوزن) المعتمدة في عملية احتسابه. كيف؟
أوضحت المحللة والمسؤولة عن دراسة مؤشّر أسعار الإستهلاك في إدارة الإحصاء المركزي أليسار ناصر خلال حديثها الى “نداء الوطن” أن “مؤشّر أسعار الإستهلاك يحتسب على اساس سلّة السلع بحسب بنود الإنفاق الإثني عشر: المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية، مشروبات روحية وتبغ وتنباك، الألبسة والأحذية، مسكن وماء وغاز وكهرباء ومحروقات.. الى بنود اخرى بما فيها الإيجارات، أثاث وتجهيزات منزلية وصيانة مستمرة للمنزل، الصحّة، النقل، الإتصالات، الإستجمام والثقافة، التعليم، مطاعم وفنادق وسلع وخدمات متفرقة.
وتصدر مؤشّرات كل بند من بنود الإنفاق الإثني عشر شهرياً في أول يوم عمل بعد العشرين من كل شهر ولا تتمّ عادة مراجعة المؤشّر بعد نشره تبعاً لتوصيات ومعايير صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية الأخرى التي تعنى بمؤشّرات الأسعار”.
واشارت الى أن “عملية احتساب المؤشّر تعتمد على الكثير من المتغيّرات منها بنود الإنفاق وتوزيع السلع والخدمات بحسب البنود، والتثقيلات المتوفّرة (الوزن) على مستويات مختلفة كالبنود والمحافظات والبنود الفرعية التي تؤثّر على الرقم القياسي لأسعار الإستهلاك، والتغير في أسعار السلع وحركتها صعوداً أو هبوطاً والتي تعدّ من العناصر الأساسية في تحديد قيمة المؤشّر”.
وأضافت ناصر “يتمّ الإعتماد في مؤشّر اسعار الإستهلاك على سلّة يستهلكها المواطنون. بالنسبة الى السلّة الغذائية تعتمد الأسعار المدوّنة على الأصناف الأكثر مبيعاً. فالأرز على سبيل المثال يتضمّن أصنافاً عدة مثل البسماتي والمصري والأرز الإيطالي والأميركي…ويتمّ اختيار الأصناف الأكثر مبيعاً منها ويبلغ عددها 5 لإدراجها ضمن سلّة المؤشّر التي تقاس شهرياً اسعارها لتحديد تحرّك أسعار الإستهلاك. بالنسبة الى الإتصالات وتحديداً أسعار الهواتف الخلوية نختار أكثر من ماركة هاتف”.
في الخلاصة إن الطريقة الاسهل لفهم الرقم القياسي لأسعار الإستهلاك هي في تصّور وجود مجموعة محددة من السلع والخدمات النموذجية التي تستهلكها الاسر اللبنانية تسمى “سلة الإستهلاك” التي يتم شراؤها كل شهر. ومن شهر الى شهر يختلف المبلغ المدفوع لشراء هذه السلة بحسب تغير اسعار الاصناف التي تؤلفها. ومهمة الرقم القياسي لأسعار الإستهلاك هو قياس التغيّر النسبي في المبلغ المدفوع”.
هل تقارن الأسعار بالدولار أو بالليرة؟
وفي ما يتعلق بكيفية تحديد الأسعار في ظلّ مطاولة الدولرة كل القطاعات وآخرها أسعار السلع في المراكز التجارية والسوبرماركات، قالت ناصر “يتوجّه المحققون الى متاجر أو سوبرماركات محددة فيدوّنون تغيّر الأسعار، فإذا كان سعر السلعة بالدولار يتمّ تدوين السعر بالدولار وسعر الصرف المعتمد لاحتسابه على الليرة اللبنانية وقتها. أما إذا كان السعر بالليرة اللبنانية، فيدوّن المحقّق السعر كما هو وارد على”الرفّ”. وبذلك يعبّر مؤشّر اسعار الإستهلاك عن القيمة الفعلية التي يتكبّدها المواطن في سلّته الإستهلاكية شهرياً، علماً أن التقنية والمعايير المعتمدة تتمّ بالتعاون مع خبراء من صندوق النقد الدولي، وفقاً لتلك المعتمدة في صندوق النقد الذي لديه منهجية لأسعار الإنتاج والإستهلاك…”.
يُستخدم مؤشّر اسعار الإستهلاك الذي يؤثر على اللبنانيين في المؤشرات التالية:
– مؤشر أسعار الإستهلاك هو مقياس للتضخّم، وفعالية السياسة الإقتصادية للحكومة. يوفّر معلومات حول تغيّرات الأسعار، ويساعد في صياغة السياسات المالية والنقدية.
– يستخدم كعامل مكمش deflator لبعض السلاسل الإقتصادية لاحتساب القيمة الحقيقية real بعد تكميش القيمة الإسمية Nominal وترجمة هذه السلسلة الى ليرات خالية من التضخم. وتتضمن السلاسل التي تعدل بواسطة مؤشر اسعار الإستهلاك مبيعات التجزئة ومكونات الحسابات القومية للدخل.
– يستخدم مؤشر الإستهلاك لإخماد قيمة العملة واحتساب قدرتها الشرائية، وبالتالي السلع التي يمكن أن تشتريها في تواريخ مختلفة إذ كلما زادت الأسعار ارتفع المؤشر وانخفضت القدرة الشرائية لليرة اللبنانية.
– ويتمّ الإعتماد عليه عادة لتعديل أجور العاملين في القطاعين العام والخاص.
من كلّ ذلك نستنتج أنه عادة ما تكون استخدامات مؤشر اسعار الإستهلاك ذات طابع اقتصادي ونقدي على المستوى الوطني أو مجموعة من الأشخاص لا سيما المستفيدين من الضمان الإجتماعي والعاملين في القطاع العام وتعديل أسعار الإيجارات.
بالعودة الى نسبة المؤشّر المرتقبة لنيسان الذي شهد استقراراً على صعيد تحرّك سعر صرف الدولار، فإن الآمال المعلّقة على تراجع نسب التضخّم أو تراجع مؤشّر السلة الإستهلاكية للأسر لن تأتي كما يشتهيها اللبنانيون في ظلّ استفحال الفوضى في البلاد!
الأوزان أو التثقيلات
تستخدم إدارة الإحصاء المركزي التثقيلات المستخرجة من «المسح الوطني للظروف المعيشية للأسرة والميزانية 2004-2005». وتبيّن هذه الأوزان متوسط إنفاق الأسرة على السلع والخدمات من دون مراعاة حجم الأسرة ودخلها وحالتها الاجتماعية. وبالتالي، لا تمثل هذه التثقيلات على الإطلاق نفقات الأسرة المتوسطة النموذجية في لبنان.
Views: 10