.. وحركة “الجهاد الإسلامي” لن تقف وحدها.. ولماذا أحسنت صُنعًا بعدم الرّد على الوسيط المِصري؟ وهل ستجتاز “حماس” هذا الاختبار الدمويّ بنجاحٍ على عكس المرّات السّابقة؟ ولماذا لا نستبعد اقتِحام القِطاع؟
عبد الباري عطوان
يُحاول بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الخُروج من أزماته الداخليّة بالعودة إلى سياسة الاغتيال والمجازر في قِطاع غزّة، ومُحاولة خلق الفتنة بين حركتيّ “الجهاد الإسلامي” وشريكتها “حماس” بإرسال 40 طائرة لاغتيال ثلاثة من قادة “الجهاد الإسلامي” الميدانيين، وارتكاب مجزرة في قطاع غزّة تمثّلت في استشهاد 12 مدنيًّا مُعظمهم أطفال ونساء، ولكنّ هذه المجزرة لن تنجح في تحقيق أهدافها، وستأتي بنتائجٍ عكسيّة، وربّما تُؤدّي إلى إشعالِ حربٍ إقليميّة.
عندما ترفض حركة “الجهاد الاسلامي” استقبال الاتّصالات الهاتفيّة المِصريّة التي تسعى للتهدئة وتُؤكّد على أن الرّد سيأتي سريعًا وقويًّا، فإنّنا لا نستبعد أن سماء فِلسطين المُحتلّة ستزدحم بالصّواريخ، وأرضها بالعمليّات الانتقاميّة الثأريّة في الأيّام القادمة.
هذه الغارات وعمليّات الاغتِيال التي نفّذتها قوّات الاحتِلال الإسرائيلي لا تعكس قوّةً وإنما حالة من اليأس والارتباك، كما أنها ستُحرج الوسيط المِصري الذي حصل على تعهّدٍ إسرائيليّ في إطار اتّفاق بوقف إطلاق الصّواريخ التي أطلقتها حركة “الجهاد الإسلامي” من قِطاع غزّة في أيّار (مايو) انتقامًا لاعتقال قِيادات فيها في مدينة جنين في الضفّة الغربيّة المُحتلّة.
استهداف القادة الميدانيين لحركة “الجهاد الإسلامي” في قِطاع غزّة، وقبلها في الضفّة الغربيّة دون فصائل المُقاومة الأُخرى، وخاصّةً حركة “حماس” هو مُحاولة رخيصة ومكشوفة لخلق فتنة محكومة بالفشل، لأن عدم اشتراك هذه الفصائل في الرّد سيكشف زيف الحديث المُتكرّر عن وحدة السّاحات ووحدة الجبَهات.
حركة “حماس” من المُفترض أن تكون على درجةٍ عاليةٍ من الذّكاء لتجنّب الوقوع في مِصيَدة هذه الفتنة الإسرائيليّة، لأنّها عانت كثيرًا، وتعرّضت لانتقاداتٍ شرسةٍ من قِبَل حاضنتها الفِلسطينيّة عندما تُركت حركة “الجهاد الإسلامي” تتصدّى للهجمة الإسرائيليّة على كوادرها في القطاع كرَدٍّ على إطلاقها العديد من الصّواريخ ثأرًا لقِياداتها الميدانيّة المُعتَقلة.
“حماس” ستضطرّ للرّد لأن هذه المجزرة الإسرائيليّة لم تشمل اغتيال ثلاثة من قادة “الجهاد الإسلامي” الميدانيين، وإنما لأنها أدّت إلى استشهاد 12 مدنيًّا أيضًا، واخترقت بذلك الهدنة مع الحركة التي تحكم القِطاع، وتتحمّل مسؤوليّة الحِفاظ على أرواحِ الخاضعين لحُكمها.
لا نستبعد أن يكون إقدام حُكومة نِتنياهو على هذه المجزرة يهدف إلى استخدام أيّ رد انتقامي فِلسطيني كذريعة وغطاء لاقتِحام قطاع غزّة للقضاء على فصائل المُقاومة، ولكن هذه الحماقة سيكون ثمنها السياسي، وخسائرها العسكريّة باهظة جدًّا، خاصّةً أن غُرفة عمليّات المُقاومة المُشتركة باتت تقف في خندقٍ واحدٍ وهو الرّد الجماعي المُؤلم.
“حماس” جرى اتّهامها من قِبَل دولة الاحتِلال بإطلاق 34 صاروخًا من جنوب لبنان، ولم تجرؤ حُكومة نِتنياهو على الرّد، إلا بقصفٍ مسرحيٍّ لمزارع الموز في الجنوب، والليمون في قطاع غزّة، ولن نُفاجأ إذا جاء الرّد المُوحّد هذه المرّة من جنوب لبنان، وجنوب فِلسطين معًا.
منظومات القبب الحديديّة فشلت في إسقاط مُعظم هذه الصّواريخ وادّعت قِيادة الاحتِلال أن هذا الفشل نتج عن خللٍ فنّيّ، ولكنّ الحقيقة مُغايرةٌ لذلك، أيّ أن تطوّر هذه الصّواريخ هو الذي مكّنها من فضْح أُكذوبة هذه المنظومات وقُدراتها العسكريّة المُبالغ فيها.
النّسخة الثانية من معركة “سيف القدس” التي عزلت دولة الاحتِلال عن العالم كُلّيًّا، وأغلقت مطاريّ اللّد (بن غوريون) ورامون في صحراء النقب، وأرسلت 6 ملايين مُستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ طلبًا للنّجاة بأرواحهم، باتت وشيكةً، والرّد هذه المرّة قد يكون أكبر وأكثر تأثيرًا.
نِتنياهو الذي لجأ إلى الرئيس الأمريكي بايدن لوقف الصّواريخ في النّسخة الأولى واستجداء السّلطات المِصريّة للقِيام بدور الوِساطة، لن يجد بايدن هذه المرّة، ولا الوسيط المِصري، وأمّا إذا تجرّأ على إرسال دبّاباته لاقتِحام القِطاع فإنّ صواريخ “الكورنت” في انتظارها وسيتم إطلاق الصّواريخ الدّقيقة هذه المرّة على حيفا وتل أبيب وأسدود وعسقلان، وحتى القدس المُحتلّة، وبِما يُؤدّي إلى وقوعِ خسائرٍ بشريّةٍ ضخمةٍ في صُفوف المُستوطنين.
نِتنياهو فتح على نفسه عشّ الدّبابير، بارتكاب هذه المجزرة، لأنّها قد تكون نهايته، وحُكومته الفاشيّة، وبداية العدّ التنازليّ لنهاية دولة الاحتِلال الإسرائيلي.
أنا أكتب هذا المقال من بيروت، وما جاء فيه هو نتيجة اتّصالات مُكثّفة مع جهاتٍ فِلسطينيّة ولبنانيّة على درايةٍ كاملةٍ بتطوّرات الأوضاع الميدانيّة.. والأيّام بيننا
Views: 3