الدكتورة حسناء نصر الحسيتشهد العلاقات الايرانية السعودية تطورا متسارعا بعد اتفاق عودة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران برعاية صينية ، لتشهد العاصمتان زيارات مكوكية بين قادة دبلوماسية البلدين .
قبل ايام افتتحت الجمهورية الايرانية الاسلامية سفاراتها في طهران ليلحق هذه الخطوة زيارة لوزير الخارجية السعودي بن فرحان الى طهران لتأتي هذه الزيارة التي تعتبر الأولى من نوعها لمسؤول سعودي منذ عقد من الزمن لتكسر الوصايا الأمريكية ومشاريعها المبنية على التفرقة بين أكبر دولتين اسلاميتين في منطقة الشرق الأوسط التي نجحت واشنطن واسرائيل لمدة طويلة بدس السم في العلاقات بين البلدين من خلال ترهيب الدول الخليجية من الجمهورية الاسلامية الايرانية مستخدمة سياسة الاسلاموفوبيا بصبغته الشيعية وخطر التمدد الشيعي في المنطقة .
ad
نجحت امريكا نجاحا مرحليا في ادارة هذا المشروع وفرقت بين دول الخليج وايران الجار مستخدمة ذرائع خطيرة لوثت من خلالها فكر السيد الخليجي ، لتأتي المرحلة الذهبية المتمثلة بتراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط واعطاء واشنطن الأولويات في سياساتها الخارجية لجنوب شرق آسيا لتنتهج سياسة مخالفة لكل العقائد التي تغنى بها زعماء البيت الابيض السابقين والتي شكلت نواة العلاقات الخليجية الامريكية المتمثلة بالطاقة مقابل الحماية التي كلفت المملكة السعودية ودول الخليج الكثير من التنازلات والانخراط بالمشاريع الأمريكية في المنطقة والتي كللت بالفشل الذريع .
ومع بدء الحرب الروسية الأطلسية وما ترتب على هذه الحرب من تداعيات بالغة الاهمية وما سبقها من اشتداد النزاع الدولي بين اقطاب دولية صاعدة رفضت تفرد الامبراطور الأمريكي في حكم العالم ، هذه المتغيرات على الساحة الدولية اعطت المملكة السعودية وبقية دول الخليج فرصة ذهبية لاتخاذ قراراتهم التي تلبي مصالحهم السيادية بعيدا عن الاملاءات الامريكية التي تلبي احتياجات ومصالح امريكا فقط ، وهنا لا اقول بان العلاقات الخليجية والمملكة على وجه الخصوص باتجاه الأفول بل هناك متغيرات في سياسات المملكة اكثر استقلالية وتنوع وانفتاح بما يلبي احتياجات المرحلة الحالية ولعل ابرزها واهمها تطبيع العلاقات بين البلدين الجار برعاية صينية .
تقبل البيت الابيض القرار السعودي على مضد وهي ترى اكبر حلفائها يغرد خارج سربها ويزور اكبر اعدائها المتمثل بطهران ، تحييد المملكة للقرار الأمريكي في عودة العلاقات الدبلوماسية الايرانية السعودية اعطى نتائج إيجابية في تذليل العقبات والحديث الشفاف بين البلدين ليعبر كل طرف عن مخاوفه وخطوطه الحمر والعمل بمبادئ ومقاصد الأمم المتحدة التي تنادي بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط وهذا العنوان يعتبر اكبر العناوين التي تم مناقشتها وتبديد المخاوف التي رعتها واشنطن لبث الرعب في نفوس دول الخليج العربي .
كسر حالة العداء بين طهران والرياض ليحل محلها حالة الأمن والاستقرار بينهما والعمل لايجاد المناخ المناسب لتنفيذ كامل بنود الاتفاقية الموقعة في بكين سينعكس بشكل ايجابي على كامل المنطقة وسيعزز سبل التعاون بين البلدين اللذان عانا من الاضطرابات وعدم الاستقرار وسوء الواقع الاقتصادي نتيجة الازمات التي خلقتها امريكا في المنطقة من بوابة الربيع العربي وإرهاصاته لمدة عقد من الزمن .
وفي الخلاصة نستطيع ان نقول بان عجلة المصالحات في منطقتنا انطلقت وهناك علاقات وتحالفات جديدة تتشكل بمنطق اكثر سيادة لدول المنطقة واكثر عقلانية فالجميع اليوم يحتاج لاعادة ترتيب اوراقه وعلاقاته في عالم متغير والناجي من يختار العربة الصحيحة التي تنسجم مع تطلعاته ورؤاه لعقود قادمة ويعمل على اعادة الأمن والاستقرار لشعبه ولشعوب المنطقة ونحن نرى في هذه العلاقات بأنها هكذا يجب ان تكون فالخطر الكبير على شعوبنا العربية والاسلامية يأتي من أمريكا حيث لا اخلاق ولا صداقات ولا عهود ولا احترام لسيادة الدول بل سياسات استعمارية منمقة بعناوين ظاهرها جذاب وباطنها استعمار .
وهنا لابد من الاشارة لحالة الرضى والسعادة التي عبر عنها وزير الخارجية السعودي خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الايراني ونقول هذه الحالة كانت لتحظى بها المملكة وإيران أيضا في مراحل سابقة لو كان اتخذ القرار بعيدا عن العقلية الامريكية والهيمنة الامريكية وسياسة فرق تسد الأمريكية .
الايام القادمة ستشهد افتتاح السفارة السعودية في طهران وزيارة للرئيس ابراهيم رئيسي للمملكة السعودية وبذا تكون الرياض وطهران اسدلت الستار على اهم فصل من فصول التآمر الأمريكي ورسمت مسارا لحماية الأمن الاقليمي بشراكة يفرضها الواقع الجغرافي وليس واقع النفعية الأمريكية .
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق
Views: 9