لا يصحّ تسمية موازنة العام 2023 لا بموازنة إصلاحية ولا تقشفية ولا تصحيحية… في الواقع يُمكن وصفها بكل بساطة بموازنة محاسبية من دون هوية! عجز الموازنة إرتفع إلى 46 تريليون ليرة لبنانية (حتى الساعة)، وهو مرشّح للإرتفاع خصوصًا مع التحدّيات التي تواجه سعر الصرف وضعف الجباية.
من المُجدي التذكير، أن الموازنة هي عبارة عن ترجمة محاسبية لخطة الحكومة المالية للعام القادم، وبالتالي ونظرًا إلى أن العام الحالي أصبح على أبواب شهره التاسع، مما يعني عمليًا فقدان فعّالية الإجراءات في الموازنة، كيف يُمكن الإلتزام بالعجز المنصوص عليه في الموازنة، والذي كان في البدء أقّل من خمسة في المئة ليُعاود الإرتفاع إلى أكثر من 24% في المشروع المُقرّ؟
المُشكلة الجوهرية في الموازنة هي غياب الإجراءات لإستعادة إنتظام المالية العامّة، وهذا الأمر ليس بيدّ وزير المال وحده أو حتى حكومة تصريف الاعمال، بل هو أيضًا بيد القوى السياسية التي تُشكلّ الحكومة، حيث أن إنتظام المالية العامة يفرض عددًا من الخطوات التي أصبحت معروفة:
– أولًا الدين العام: ما هي خطة الحكومة فيما يخص الدين العام؟ هل سيتم إعادة هيكلته؟ أو أن الحكومة مُصرّة على شطب ديونها وديون المصرف المركزي؟
– ثانيًا الإنفاق التشغيلي: هل ستعتمد الحكومة سياسة تقشّف؟ أم أنها ستُبقي على مستوى إنفاقها؟ مع العلم أن هذا الإنفاق إرتفع بالليرة اللبنانية بشكل كبير جدًا.
– ثالثًا ماذا عن الجباية؟ هل ستتمكّن الحكومة من جباية (اقلّه) ما أوردته في مشروع موازنة العام 2023؟ أم أنها ستحوّل النقص في الجباية إلى عجز في الموازنة؟
– رابعًا: ما هي خطّة الحكومة لتفعيل القطاعات الإقتصادية؟ وكيف ستتمكّن من جباية مستحقاتها من الشركات والأفراد الذين يتعاملون بالكاش؟
– خامسًا: كيف ستعيد الحكومة هيكلة القطاع المصرفي وهي لم تبدأ حتى الساعة التدقيق في حسابات المصارف الأربعة عشر الأكبر في لبنان بحسب طلب صندوق النقد الدولي؟ الجدير ذكره أن القطاع المصرفي مدخل أساسي لتحسين الجباية لصالح الخزينة العامة وتمويل الإقتصاد.
– سادسًا: ما هي خطّة الحكومة فيما يخص جذب الإستثمارات ،خصوصًا الأجنبية منها والمشروطة بتوقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي؟
– سابعًا: ما هي خطة الحكومة فيما يخص المؤسسات العامة مثل الكهرباء والإتصالات.. وغيرها؟ هل ستعمد إلى الخصخصة أو إلى الشراكة مع القطاع الخاص؟
– ثامنًا: هل ستحتاج الحكومة إلى قرض خارجي لتمويل عجز موازناتها؟ أم ستفرض على المصرف المركزي طبع العملة لتغطية هذا العجز؟ وماذا عن موقف حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري الذي يرفض تمويل عجز الحكومة بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي؟
– تاسعًا: كيف ستموّل الحكومة حاجاتها من الدولارات مع تراجع قدرتها الفعلية إلى أقلّ من 400 مليون دولار أميركي ورفض المصرف المركزي مدّها بالدولارات؟
رفع الضرائب والرسوم
في الواقع اللائحة تطول وهناك عشرات وعشرات الأسئلة التي من المفروض أن الإجابة عليها موجودة في مشروع موازنة العام 2023، إلا أن الواقع مُغاير مع مشروع موازنة محاسبي بإمتياز، ولا يُعطي إيجابات على كل ما سبق.
لكن الأصعب في الأمر هو رفض المصرف المركزي على لسان حاكمه تمويل الحكومة، وبالتالي من أين ستدفع الحكومة المستحقات المتوجّبة عليها من أجور القطاع العام وصولًا إلى تغطية النفقات التشغلية لمرافقها مرورًا بالمستحقات الخارجية؟ للأسف لا نعرف الجواب على هذا السؤال والحكومة لم تُعط جواب عن كيفية إدارة المرحلة القادمة مع ما تبقى لديها من أموال. جلّ ما نعلمه هو الزيادات العشوائية في الضرائب والرسوم ، التي ستزيد من نسبة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي. وبإتباع منهجية عمل الحكومة، نستنتج أنها ستعمد إلى رفع الضرائب والرسوم إلى مستويات أعلى وأعلى، لتغطية نفقاتها التي تزداد يومًا بعد يوم بالليرة اللبنانية، أما مُستحقاتها الخارجية فستموّلها من خلال شراء الدولارات في السوق السوداء وهو ما يعني إرتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، وإستطرادًا سعر منصة صيرفة (لا نعرف مصيرها حتى الساعة، إذ يتم الحديث عن إعادة تفعيلها).
عمليًا، إنها مسألة أسابيع أو شهر أو شهرين بالأكثر، حتى تظهر الصعوبات الكبيرة أمام الحكومة فيما خصّ تمويل عجزها. وإذا كان حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري قد أمّن دفع رواتب القطاع العام هذا الشهر بالدولار الأميركي على سعر منصة صيرفة، إلا أنه شدّد في مؤتمره الصحافي يوم الجمعة الفائت، على أن هذا الأمر قد لا يكون مُمكنًا الشهر القادم.
مسألة وقت قبل أن تنفجر الأزمة
والسيناريو الأكثر إحتمالاً هو أن يتوقّف المصرف المركزي عن تأمين الدولارات حتى للأمور المُهمّة، مثل الأجور أو بعض الأدوية المزمنة أو حاجات الأجهزة العسكرية والأمنية، وبالتالي ستعمد حكومة تصريف الاعمال عن وقف دفع مُستحقاتها الداخلية وعلى رأسها القطاع الصحي وأجور القطاع العام. مما يعني إنها مسألة وقت قبل أن تنفجر الأزمة في وجه الحكومة.
وهنا يُطرح السؤال عن الخطة التي وضعتها في حال حصل هذا السيناريو، وكيف ستواجه الإضطرابات الإجتماعية التي ستنتج عنه؟ بإعتقادنا أن قول الرئيس ميقاتي بأنه سيكون «out» في شهر أيلول إذا لم يتم إنتخاب رئيس للجمهورية (حتى ولو تمّ تكذيب الأمر)، هو تحسّس من قبله لما ستؤول إليه الأمور في الأسابيع القادمة.
عدم إنتخاب رئيس للجمهورية، وما ينتج عنه من شلل على الصعيد التنفيذي، وتعطيل العمل الحكومي بحجّة تصريف الأعمال، وعجز المجلس النيابي عن إقرار الإصلاحات والقوانين ذات الصلة، وتوقّف مصرف لبنان عن تمويل الحكومة، كلها أمور تُشي بأن الإنهيار الكبير الذي طالما حُكي عنه أصبح على مسافة أسابيع منا. فهل هناك مُخطّط لهدم الكيان اللبناني؟ أمّ أن المصالح الخاصة أصبحت تفوق الكيان اللبناني ومصالح الشعب؟
Views: 30