لا يختلف اثنان على ان الرئيس نبيه بري والامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله يواجهان معركة صعبة ومشتركة كلّ من موقعه اذا قررت حكومة بنيامين نتنياهو توسيع حركتها العسكرية نحو لبنان وتنفيذ وعودها ضد “المقاومة” والقضاء على مقوماتها العسكرية. واذا كان بري يمارس سياسة عدم الادلاء بمزيد من التصريحات لضرورات تخصّه في انتظار وضوح حقيقة مسار الاحداث في غزة، إلا انه في المحطات الفاصلة ومنذ بداية عملية “طوفان الاقصى” يتدخل حيث يجب، وهو على خطه الساخن والمفتوح مع قيادة الحزب وتواصله مع القيادات الفلسطينية، ولا سيما مع “حماس”، واستقباله وفداً منها ضم الشيخ صالح العاروري أول المطلوبين على اجندة الاسرائيليين. وسبق لبري ونصرالله اللذين يشكلان تؤاماً في مثل هذه المحطات ان اتخذا قرارات سياسية كبرى وإن كانت الكلمة الفصل للثاني في الميدان العسكري. وهما واجها هذا النوع من الامتحانات ابان اكثر من امتحان اسرائيلي كان اخطرها في تموز 2006 حيث تلازمت المقاومتان الحربية والديبلوماسية على مدار 33 يوماً ابان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وانقساماتها.
يرفض بري بالطبع ولا يتقبل السؤال إذا كان يواجه إحراجاً في وقوفه الى جانب الحزب. واذا ما وقعت الحرب الكبرى مع اسرائيل فسيمارس الدور الذي يضطلع به في مثل هذه المحطات ليس من موقع الحليف للحزب انما من موقع الشريك والمعنيّ بالتصدي لماكينة الحرب الاسرائيلية التي تخطت كل الحواجز والموانع في غزة بعد الضربات التي يتكبدها ولا يزال المجتمع الاسرائيلي الذي لم يجد سبيلاً امامه إلا طلب النجدة من قطع من الاساطيل البحرية الاميركية والغربية التي حضرت الى البحر المتوسط حيث لم يرَ اصحابها اسرائيل في مثل هذا المشهد منذ نشأة كيانها عام 1948. ولذلك فان لسان حال بري يقول انه في صلب هذه المقاومة مع التوقف عند استنفار أعداد كبيرة من عناصر حركة “أمل” في اكثر من بلدة على الحدود وفي قلب الجنوب، مع الاشارة الى الاجهزة الناشطة للدفاع المدني في كشافة الرسالة الاسلامية المستنفرة بدورها. ولا يختلف موقف رئيس المجلس هنا عن اكثرية القيادات اللبنانية التي لا تريد بالطبع تدمير اسرائيل للبلد، ولكن في حال إقدام جيشها على استهداف الجنوب والمناطق اللبنانية الاخرى فهو سيكون بالمرصاد مع حركته في المواجهة على غرار ما فعله في فصول سابقة. ومن المفارقات انه في لحظة مغادرة نازحين بلداتهم في الايام الاخيرة كان رده “اذهبوا الى الجنوب” مع معرفته المسبقة بأخطار وقوع الحرب وارتداداتها.
ولا يكتفي بري بوقوفه مع الحزب، ولا سيما ان جمهورهما سيكون اول المتضررين في حال وقوع حرب مع اسرائيل جراء ما سيتكبده الجنوبيون والضاحية والبقاع ومناطق اخرى بفعل عمليات النزوح في ظل الاوضاع الاقتصادية الاكثر من صعبة التي يعيشها اللبنانيون دونما استثناء. ولذلك لا يوفر في أيّ من لقاءاته واتصالاته البرلمانية والديبلوماسية في معرض رده على اسئلة زوار من مسؤولين اجانب وامميين، قوله لهم بضرورة توجيه تلك الرسائل الى اسرائيل اولا ومراجعتها في شأن كل ما تقدِم عليه، وان مساعيه لعدم تدمير لبنان والتصدي للتهديدات الاسرائيلية تدخل في صلب اولويات اجندته اليوم حيث لا يريد ان يدخل البلد في مواجهة غير محسوبة العواقب، وان قتال اسرائيل والتصدي لها لا يكون على شكل عملية انتحارية. واذا اقدمت اسرائيل على شن عدوان ضد الحزب واستهدافه ظناً منها ان الظروف الدولية مؤاتية لها للقضاء على القوتين العسكريتين لـ”حماس” و”المقاومة الاسلامية”، فلن يكون بري ولو من موقعه الرسمي إلا في حماية ظهر “حزب الله” الذي يساهم بالافعال وتقديم التضحيات على الحدود لمساندة الغزاويين والتخفيف عنهم من عدوان حكومة نتنياهو حيث يتفرج العالم على المذابح التي يتعرضون لها والمنقولة على الشاشات وتحت أعين الامم المتحدة. واذا كانت الانقسامات بين الافرقاء اللبنانيين لا تفارق يومياتهم في ايام السراء والضراء، فكيف اذا كانت في موضوع مواجهة اسرائيل وتهديداتها. إلا انه يتبين ان جبهة سياسية وحزبية تتلاقى مع الحزب الى حدود ولو مع فروق في سياسات مكوناتها من بري الى الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والمرشح للرئاسة سليمان فرنجية وغيرهم، الى تشكيلة اخرى من الاحزاب والقوى التي تساند الحزب كلّ من موقعها وتقدّر لقيادة الحزب ادارتها زمام المعركة على الحدود، مع الاشارة الى ان قواعد الاشتباك لم تعد موجودة مئة في المئة، وهي تولد عادة بعد نهاية الحرب وليس ابان المعارك والمواجهات، ولم يتم الحفاظ عليها حتى الآن وفق اطر مدروسة. وعلى سيرة حماية المقاومة واسناد ظهرها، يتوقف الجمهور الشيعي عند المواقف المتقدمة لجنبلاط المستنفر بدوره اعلاميا وسياسيا ولوجستيا مع تحذيره من استهداف لبنان، وملاحظة خروجه عن ديبلوماسيته في مخاطبته مسؤولين اوروبيين ووصفهم بالمساند والداعم للجلاد الاسرائيلي في ذبح الفلسطينيين ومدّهم تل أبيب بكل وسائل الدعم في مشهد اكثر من فاضح. وتلقى هذه المواقف الجنبلاطية ارتياحا لدى بري وكل الحائرين من فتح اسرائيل فوهات مدافعها وصواريخها في اتجاه الجنوب والمناطق اللبنانية الاخرى في وقت ستشهد تل أبيب ومدن اسرائيلية حلقات النار وتوازن الرعب نفسه.
Views: 15