يواصل العدو الإسرائيلي حربه الوحشية على قطاع غزّة وعلى جنوب لبنان، قافزاً فوق القوانين والمواثيق الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان، كما القرارات المتعلّقة بالقضية الفلسطينية وحلّ الدولتين، وبالحفاظ على السلم والأمن الدوليين في المنطقة… ولم يتمكّن مجلس الأمن الدولي حتى الساعة من استصدار قرار أممي يوقف الحرب في غزّة، بسبب الدعم الأميركي الفاضح له، من خلال استخدام حقّ النقض “الفيتو” ضدّ أي مشروع قرار يُقدّم الى المجلس، وينصّ على وقف شامل لإطلاق النار.
فالعدو الإسرائيلي لا يزال يخشى على نفسه من الزوال من جهة، ويصرّ من جهة ثانية على تحقيق أهدافه من عملية “السيوف الحديدية” التي شنّتها على قطاع غزّة، بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول المنصرم، والتي لم يتمكّن حتى الآن من تحقيق أي منها، إن لجهة القضاء على قادة حركة حماس أو تهجير الفلسطينيين أو إطلاق سراح الـ 138 جندياً، الذين لا يزالون في قبضة المقاومة الإسلامية..
أوساط ديبلوماسية مطلعة تحدّثت عن أنّ قرار وقف الحرب في غزّة، هو بيد الرئيس الأميركي جو بايدن، رغم الانقسامات بين الديموقراطيين والحركة التي يشهدها الشارع الأميركي المناهض للحرب على غزّة، والداعي الى وقفها فوراً. غير أنّ بايدن لم يُقرّر بعد وقفها، وإلّا لما استخدم “الفيتو” في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، فيما امتنعت بريطانيا عن التصويت، ووافقت الدول الـ 13 المتبقية على مشروع القرار الداعي الى وقف إطلاق النار في غزّة.
وتقول الاوساط انه بحسب “الإسرائيليين” فإنّ الحرب في غزّة انتقلت الى مراحلها النهائية، ويحاولون إعادة احتلالهم لقطاع غزّة، الأمر الذي سيجلب عليهم تمرّداً ممتداً في المنطقة ككلّ. علماً بأنّ أميركا الداعمة لهذه الحرب، تقف ضدّ احتلال “إسرائيل” للقطاع، على الأقلّ هذا ما تُعلنه، ما من شأنه إبقاء الأمور غير واضحة في ما يتعلّق بما بعد انتهاء الحرب.
أمّا حركة حماس فتتحدث عن انتصاراتها في ظلّ عدم تمكّن “الإسرائيلي” من تحقيق أي من أهدافه، وفي ظلّ احتفاظها بورقة الرهائن الجنود الرابحة. كما أنّ احتلال “إسرائيل” لغزّة لن يفيدها كثيراً، تقول الاوساط ، وإن حصل نظراً لوجود جيوب كبيرة يمكن أن يعود المقاومون من خلالها الى إقامة عمليات ضدّها.
من هنا، يُطرح السؤال: من سيُدير قطاع غزّة في المرحلة المقبلة بعد تدمير شماله، واستكمال تدمير جنوبه؟ وكيف سيتمكّن نحو أكثر من مليوني فلسطيني من العيش في بقعة صغيرة جدّاً “غير مدمّرة” في القطاع، حتى وإن لم تتمكّن “إسرائيل” من ربح الحرب؟ تُجيب الاوساط بأنّ الأهمّ اليوم هو وقف إطلاق النار، فمتى وافق الأميركي على هذا الأمر، تتمّ مناقشة الأمور الأخرى فيما بعد. ولكن على الأرجح فإنّ خسارة العدو الإسرائيلي ستُعلن بعد انتهائها، تماماً كما حصل بعد حرب تمّوز- آب 2006. فالتدمير وقتل المدنيين والأبرياء من دون شفقة ولا رحمة لا يعني ربح الحرب، بل على العكس سيضع “إسرائيل” في قفص الاتهام بالجرائم ضدّ الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية، وقد بدأت الشكاوى تُقدّم ضدّها من قبل بعض الجمعيات الحقوقية.
أمّا حماس فستتمسّك بطلب تصفير السجون “الإسرائيلية”، على ما أضافت الاوساط، مقابل الإفراج عن الرهائن “الإسرائيليين”، وإلّا لما كانت رفضت المضي بعملية تبادل الأسرى قبل الوقف الدائم لإطلاق النار، وليس من خلال الذهاب الى هدن لم تستمر لأكثر من أسبوع. فيما الإستمرار في الحرب لمدّة 3 أو4 اشهر، على ما يرى البعض، فلن يصبّ في مصلحة أميركا و “إسرائيل”، بل سيُقلّب عليهما الرأي العام الدولي. وقد بدأت الاعتصامات والإضرابات المتضامنة مع غزّة، ليس في لبنان فقط، إنّما في دول عديدة في العالم عبر ناشطين عبر وسائل التواصل الإجتماعي. وهذه الحملات ستتصاعد كلّما استمرّت الحرب، ولم تلجأ الولايات المتحدة الى اتخاذ القرار بوقفها.
وفي ما يتعلّق بلبنان، فإنّ المعارك التي أصبحت أعنف بكثير من السابق، ستتوقّف فور توقف الحرب في غزّة، على ما ذكرت الأوساط نفسها، ولا بدّ من احتواء الأمر ديبلوماسياً بغض النظر عن القرار 1701 ومندرجاته. فالتحضير للترسيم البرّي بعد انتهاء حرب غزّة، قد بدأ من قبل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وسيعود فور إعلان وقف إطلاق النار للحديث عن الحدود البريّة.
وعن إمكانية حلّ مشكلة تهجير فلسطينيي غزّة مرّة جديدة على حساب لبنان، من خلال استيعابه لنحو 500 ألف فلسطيني يُضافون الى اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات الفلسطينية الـ 13 القائمة حالياً في لبنان الى جانب الـ 144 مجمّعاً سكنياً، والتي تحوي نحو نصف مليون لاجىء، تنفي الأوساط عينها هذا الأمر، مشيرة الى أنّ مصر ترفض أن يتمّ تهجير فلسطينيي غزّة الى سيناء، فلماذا سيوافق لبنان الذي يستضيف اليوم أكثر من مليوني نازح سوري على أراضيه، فضلاً عن اللاجئين الفلسطنيين، على استضافة المزيد من اللاجئين أو المهجّرين، وهو في وضع اقتصادي صعب غير قادر على احتماله ومعالجته؟!
غير أنّ الاوساط لا تنفي أنّ احتمالات عديدة مطروحة في ما يتعلّق بمصير الفلسطينيين في القطاع بعد انتهاء الحرب، في حال جرى تدمير القسم الأكبر من مبانيه ومستشفياته ومدارسه لكي يصبح غير قابل للسكن، بحسب المخطط “الإسرائيلي”. لكنّ الفلسطينيين مستعدّون للبقاء هذه المرّة في أرضهم وعدم تركها للعدو، على ما جرى أيّام النكبة والتهجير في العام 1948، وإن اضطرهم الأمر للعيش في المخيّمات داخل القطاع. فالأكثرية لا ترغب بالمغادرة، وبتكرار ما عانى منه الأجداد، لا الى سيناء، ولا الى لبنان، ولا الى الأردن، أو الى أي دولة في المنطقة.
كذلك فإنّ دولاً عربية عديدة قد وعدت بإعادة إعمار القطاع، خلال القمتين اللتين عُقدتا في السعودية بعد شهر من الحرب على غزّة. ويُمكن لهذه الأخيرة أن تفي بوعودها في حال توقّفت الحرب بقرار أممي، بعد أن تتأكّد أميركا أن لا فائدة من استكمالها لأشهر طويلة بعد
Views: 12