_أسد الشمالي /صحفي سوري._
بدأت تتصدر المنابر الإعلامية والسياسية الدولية حالة من التماهي مع التهويل الإعلامي للاحتلال الإسرائيلي باجتياح مدينة رفح والتحدث عن سيناريوهات لمجازر سيرتكبها أو ترحيل قسري دموي، أوغيرذلك من أهوال يتوعد بها نتنياهو وقادة آلة الإجرام الإسرائيلية ، مستدعيا قادة عرب أمام داعمه الأمريكي ، لمساعدته على تنفيذها .
لكن من المستغرب أن تقوم منابر إعلامية وسياسية كثيرة محسوبة على محور المقاومة – سواء عن قصد أو غير قصد – في الترويج للدعاية التي أطلقها الاحتلال ، من خلال التخوف أوالتخويف ، غداة تحشيد الاحتلال الإسرائيلي لآلة القتل والإرهاب التي يطلق عليها حتى الفلسطيني – بفعل قوة الإعلام المتصهين في فرض مصطلحاته – اسما لايجوز له على الإطلاق “جيش” !! .
وبدل أن يكون في مقابل تهويل الاحتلال ، تحذير بسقف مفتوح المواجهة ، إذا ارتكب جريمة كما يصور ويهول ويتوعد ، نجد البعض يحقن جرعات اليأس والحتمية القدرية من خلال هذا التماهي.
وفيما لاتزال ذاكرة الشعب السوري ، مثقلة بالجراح والذكريات القاسية رغم استمرار العدوان عليه ، كانت قنوات – هي ذات القنوات – “التي تدعي الحرص على الشعب الفلسطيني الآن وتضلله” ، كانت ولاتزال هذه القنوات تصعد وتمعن في عدوانها على سورية بأبشع حملة تضليل لتصور الجيش العربي السوري العريق والغني بالتضحيات والمناقبية المهنية والشرعية والدستورية ، على منصاتها كافة بأنه (ميليشيات ، وعصابات ..) بينما تطلق على عصابات إرهاب وقتل اجتاحت بالمجازر والنهب والتخريب مدن وقرى سورية ، اسم جيوش أو ثوار أو جيوش الثورة .
وتبنت هذه القنوات أذرع الإرهاب الاعلامية وواجهتها في العلاقات العامة التي دربتها استخبارات غرف العدوان المظلمة ، المجرمة التي أدارت إبادة وتدمير سورية ، بالحكومة المؤقتة وبالقادة وبالوجهاء وبكل التسميات التي علها تغسل أيديهم القذرة من دماء السوريين.
وللمفارقة العجيبة فإن هذه القنوات عملت بشكل غير مباشر كمنصات لداعش ولمنصتها الإعلامية التي أدارتها تقنيات هوليوود والدعاية العسكرية للناتو .
بل أنها حاولت بشتى الطرق تزوير حدوث مجازر ارتكبتها هذه العصابات ولفقت أدلة مفترضة لالصاقها بالجيش العربي السوري ، ثبت بطلانها ، بل ثبت بالدليل القاطع ضلوع دول العدوان في تهيئة ودعم آلية تنفيذ هذه الجرائم على أيدي هذه العصابات الإجرامية بكل تسمياتها وارتباطاتها.
أما الاجرام الإسرائيلي المشهود بالأدلة المباشرة ، فقد أصبح دليل إدانة جديد ، على منظومة محور العدوان والاحتلال ، أو مايسمى “التحلف الدولي “.
وما يجري الآن على الساحة الفلسطينية ، بدأ من التهويل على الفلسطينيين والتخيير بين الترحيل أو القتل والإبادة هو استخظام لذات المدرسة الإجرامية التي أدارت عصابات ما يعرف بثورات الربيع العربي وداعش ، وهي غرف المخابرات التي تتزعمها وكالات أمريكا والناتو والكيان الإسرائيلي.
وكأن الفلسطينيين بعد كل هذه التضحيات وقرارهم المصيري بالصمود الملحمي ، سيجعلهم هذا التهويل يهلعون ، ويقتحمون منافذ الهرب التي فتحها الإسرائيلي أمامهم، ليتصرفوا كالدجاج ، كما يأمل!!.
يدرك الفلسطينيون أن هدف الاحتلال هو ما تم ذكره ، وأن الاحتلال الإسرائيلي سيرتكب مجزرة بشعة وواسعة لامحالة في رفح ، لكن ما لايدركه العدو الإسرائيلي نتيجة شرهه لدماء أطفال فلسطين ، ولتركيبته المجرمة الوحشية ، ولعنجهيته التي أعمت بصيرته ، بأن هذه الدماء ستشكل عامل انبلاج براعم المقاومة، التي ستحطم آخر أحلامه التي زلزل أركانها عملية طوفان الأقصى ، وأن كل شهيد قضى بعدوانه ، سيكون عامل تحفيز لبزوغ ضوء جديد من بين ركام الدمار والدخان ، لينير طريق المقاومة التي وضعت تحرير فلسطين على سكته الصحيحة بعد اتفاقيات الذل والعار، من كامب ديفيد إلى أوسلو وصولا إلى اتفاقيات الخديعة الكبرى ” المشروع الابراهيمي”.
نعم سيدخل الاحتلال الإسرائيلي بقواته ومرتزقته إلى رفح كما دخل غزة ومدن القطاع ، وسيرتكب مجازر أكثر مما ارتكب ، ولكن مالايدركه هذا الاحتلال أيضا ، بأن مالقيه من هزيمة نكراء ، وإبادة وحدات النخبة له على يد المقاومة الفلسطينية ، وانهيار ألوية وفرق تشكل عماد قواته ، سيكون له في رفح وخانيونس بمثابة الدرس الأخير ، قبل أن يقبل مرغما ، بالنزول والرضوخ وإعلان هزيمته ، وبدء ما يسميه الاطار الحاكم لهذا الكيان باليوم التالي ، أي ‘التالي للعدوان’ على كافة الجبهات .
مالايدركه الاحتلال الاسرائيلي أيضا وأيضا !!، بأن الأمور لم تعد بين يديه ، وأن قرار الحرب واستمرارها على الجبهات ، أصبحت رهن شروط محور المقاومة ، وأن إطالة نتنياهو لمدة الحرب ، وآخرها التهويل باجتياح رفح ، قد تؤخر محاكمته أمام أطر الكيان السياسية والقضائية والأمنية والعسكرية ، ولكن ذلك لن يزيد الكيان إلا تراكم أزمات ، تفاقم من تصدعات بنيانه الذي ظن من ساهم في إقامته بأنه لايقهر ، وتؤكد أن ما كشفته عملية طوفان الأقصى من حقيقته المجردة ، هو فعليا (أوهن من بيت العنكبوت).
حتى الآن ١٠% من سكان القطاع إما شهيد أو مشروع شهيد بفعل إصابة بالغة أو إصابة بعاهة دائمة ، ومعظم هؤلاء من الأطفال الفلسطينيين وأمهاتهم .
١٠% من شعب قيد الإبادة أمام عدسات كاميرات الاعلام العالمي وعلى الهواء مباشرة ، وأمام موظفي الأمم المتحدة وكبار مسؤوليها ، وأمام منظمات حقوقية وقانونية وجنائية دولية وإقليمية ، وعربية وإسلامية ، تقطع فيها الأطفال أشلاء ، ويموت الآلاف منهم جوعا وعطشا ومرضا ..
في كل هذا المشهد المتخم بالفظائع والمحارق التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ، تحاول آلة الإعلام الدولي والعربي والناطقة بالعربية ذاتها ، أن تنمق المصطلحات وتتحاشى ذكر الأوصاف .
فيما تثير تحذيرات الأمم المتحدة وصيحات القلق التي تصدرها من حدوث كارثة إنسانية في حال الاجتياح ‘السخرية’، وتدينها أشد الإدانة ، بتواطؤ لم يسبق له مثيل في إبادة شعب ، وشرعنة المحرقة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي النازي بحق أطفال فلسطين ، في مقابل جهود هائلة كرستها و ساهمت بها ، بكل مؤسساتها إلى جانب قوى العدوان على سورية أثناء اجتياح الإرهاب المدعوم من قبل الناتو بقيادة الولايات المتحدة ، والذي لونته بتسميات مختلفة لشرعنته خلافا للقانون الدولي ومبادىء قيامها، ومنها توصيف الإرهاببين بتسميات من قبيل ( المعارضة المعتدلة) ، وصمتها عن الاحتلالين التركي والأمريكي في احتلال أراض سورية، ونهب ثروات الشعب السوري علنا .
إضافة للصمت الطويل عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المتواصل على سورية .
ستكشف الأيام القادمة ، وحال تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي لتهديداته بالمجازر في رفح ، أن وحدة الساحات في مواجهته ستقود إلى خروج قوى الاحتلال بكل جنسياتها من المنطقة تحت النار ، مهما تغولت قوى الاحتلال وهولت، وصعدت واستباحت دماء شعوب المنطقة ، فأمام الاحتلات كافة خيار الخروج ، أو النار من كل الاتجاهات.
Views: 67