رقية مبروكة
لا يمكن الإحاطة بمفهوم الحداثة بعيداً عن فكرة الزمن، هذه الحقيقة وهذه العلاقة لابد من إدراكها عند النظر والتأمل في مفهوم الحداثة، فهناك اتصال واقتران لا ينفصل ولا ينقطع أبداً بين الحداثة والزمن، ومتى ما حصل هذا الفصل وهذا القطع اختل تكوين المعرفة بمفهوم الحداثة.
وكل فهم للحداثة لا يكون ناظراً لفكرة الزمن، لا يعطي إلا فهماً ناقصاً ومنقوصاً لمفهوم الحداثة، المفهوم الذي لا يتحدد ولا يكتمل دون فكرة الزمن، فالحداثة دون فكرة الزمن هي حداثة ناقصة، أو حداثة غير مكتملة، أو أنها حداثة متوهمة، وهي ليست حداثة إلا على سبيل المجاز، وليس سبيل الحقيقة.
هذا التأكيد الذي يصل إلى حد اليقين في العلاقة بين الحداثة والزمن، نابع من كون أن مفهوم الحداثة في فلسفته وحكمته، ماهيته وهويته، بيانه ولسانيته، هو مفهوم زمني، مشتق من الزمن، وجاء متلبساً بالزمن، وقابضاً عليه، ومتخذاً منه وجهة ومساراً، عابراً به ومن خلاله درب الحياة في تحولاتها وتغيراتها المتقادمة والمتلاحقة.
الحداثة هي مفهوم زمني هذه حقيقة لا ريب فيها، وذلك باعتبار أن الحداثة ناظرة إلى ما هو حديث الذي هو خلاف القديم، فالحداثة تتصل بالحديث من جهة وتقطع مع القديم من جهة أخرى، وتعطي الأهمية والقيمة والاعتبار لكل ما هو حديث، وتسلب الأهمية والقيمة والاعتبار عن كل ما هو قديم، فهي تفاضل بين ما هو حديث وما هو قديم ولا تساوي بينهما.
والاتصال بالحديث في الحداثة يحصل على طول الخط، بلا توقف أو انقطاع، ملاحقة وتعقباً لكل حديث، ومتى ما حصل توقف أو انقطاع عن هذه الملاحقة، وهذا التعقب، تكون الحداثة قد فقدت صفتها ومصداقيتها، وانقلبت على ذاتها.
Views: 29