رهام ماجد قنبر – البلاد
في جنان الحكايات حيث أسرار الحياة تفتح أبوابها على مصراعيها وتصبح القصص حقيقةً تنبض بين الحنايا، تهمس الرياح بألحان قصةٍ ليست كسائر القصص.
فتحكي عن مؤلف اسمه ديمون زاهاريديس و مصنفه الفريد “سيكولوجية الرحيل” هو السفر الذي يمتزج فيه العقل بالروح.
يسترسل هذا الكتاب في سرد ملاحم الرحيل والافتراق بطريقة تهز القلوب وتنير أروقة الفكر عبر دروب الكون اللا محدود.
في فصول “سيكولوجية الرحيل” تبحر السفينة الميتافيزيقية بعيدًا، تَبرحُ شواطئ الألفة متجهة إلى غِمار المجهول بتأثير الوجدان والجرأَة.
يدعو ديمون المرشد الحكيم في هذه الرحلة جميع النفوس الباحثة للإبحار في بحر الوداع واستكشاف جُزُر الذات الدفينة، حيث تكمن الأسرار والثروات الروحية المكنونة.
يغوص القارئ في أعماق الرواية عبر قوافل من شخصيات لا متناهية في عُمقها، كلٌّ يحمل فصلاً خاصًّا من حياته، قصةً عن الرحيل وامتطاء الآفاق. من تلك القصص تتوهج النجوم بترانيم الأمل والتحدّي. بحّار يترك خلفه عشقه على رمال الذكرى، وطير يغادر عشه طلبًا لأُفق أرحب.
كل حكاية تسبر أغوار الشجاعة وتلامس قلوب السامعين بشغف الاكتشاف.
الرحيل في حبر ديمون له أثر فلنُبحر في أعماق “أثر الرحيل”، فكل رذاذ من هذا البحر يروي قصة، يُزهر دمعة و يُورق ضحكة :
1) أهازيج القلب : يسبح بنا الرحيل في محيط العواطف العميق ، حيث التيارات الصامتة من الحزن والاشتياق تُغني لحن الفراق، وهي ترقص على أوتار الذِّكريات.
2) تحولات الروح : يُعاد تشكيلنا بكل وداع، حيث يُصبح الرحيل جناحًا يحملنا نحو عالم الذات الجديدة، ساحة فسيحة لتبلور الكينونة.
3) جسور الجرأة : في كل خطوة نقف أمام مواجهة ظلالنا مع المجهول، حيث يتطلب العبور جرأة الفارس الذي يهب روحه لسعي لم يكتمل بعد.
4) نبضات الاستسلام : يُعلّمنا الارتحال فن تقبُّل الزوال ؛ إنها دعوة للامتثال لقانون الحياة الأبدي بأن كل شروق له غروبه وكل لقاء نقطة بداية لوداع.
5) بوابات المستقبل : مع كل إشراقة رحيل تُفتَح أمامنا أبواباً نحو أراضٍ جديدة من الفرص، حيث يُعاد رسم خرائط الأمل على جدران الزمن.
6) أدراج الاستكشاف والقبول : نمضي قُدمًا متشبثين ببذلة الباحث عن الذات، متتبعين خيوط الألغاز التي نحتها الرحيل فينا في رحلة إلى عمق هويتنا المجددة،
مع الاستسلام الجميل الذي يمهد لقبول تصالحي متجدد بكل شروق
وفي محطة الوصول حيث تلوح النهاية، يجد القارئ نفسه يقف على عرش السفينة، يحدق بالأفق اللامتناهي، شاعرًا بأنّ بزوغ كل فجر يفتح أبواب الحياة على مصادفات ودروب تخلو من العَبَر المشيّدة. وفي هذه الفجوة التي تأخذ من الماضي قوتها وتستلهم من الغد روعتها، ينهل الإنسان من سيكولوجية الرحيل.
فكتاب “سيكولوجية الرحيل” هو بالأحرى ديوان عشق للوجود وملحمة يعيشها الفرد، تأخذ طيات القلب وعمق الروح في عين الاعتبار، وتشهد على أنه مع كل ختام يزهر فجر مجيد، وتستمر برحلاتها محفورة في سجلّ الإنسانية الأزلي.
ولكن ما أهمية الرحيل إذا لم يكن له مآل في نسج شخصيتنا وتشكيلها؟
فمع كل آهٍ من الفراق وفي كل نظرة للأفق السحيق يصطخب الرحيل فينا بداية للتحول الروحي والذاتي. يدعو الفرد لنقب عالمه الباطني، مكتشفًا ذاتًا جديدة راشدة تتجلى من صميم الاختبارات.
وفي الفصل الذي يتناول الفراق، يُمسك الكتاب بيد القارئ ليريه كيف يمكن للأسى أن يتحول إلى أمواجٍ من المشاعر الإيجابية، دافعةً بالروح نحو آفاقٍ من الإبداع والأمان.
كما يناقش ديمون كيف يعيد الرحيل رسم نطاق العلاقات، مهذبًا حواراتنا الإنسانية فنثمن المشاطرة في كل لحظة جميلة نعيشها مع من نحب. ويستكشف كيف يعتصر الرحيل العاطفة ليسكبها في قالب الوعي العاطفي، موطدًا أرض التقبل والنماء الذاتي.
لا يخفي الكتاب أيضًا أن الذكريات والتراث هما الكنز الذي يتركه الرحيل وراءه، إرثًا يتسامى مع الروح في رحلتها. ولم يغفل الإصرار والتصميم، خلجان تبتغي استكشافها النفوس المقبلة على فعل الرحيل، إذ من عبور هذه الاستجلاءات نستلهم القوة والإلهام.
وأخيرًا، “سيكولوجية الرحيل” تختتم بالحديث عن الاستقلالية كعطية تبارك بها الخطوات الجسور، داعمة لاستقلال الذات في مواجهة المجهول بلا خوف بل بثقة تبعثها التجارب الحية.
Views: 31