د . ربيع رجب حسن – البلاد
عندما ترفع بصرك في هذه المدينة قليلاً أعلى من قدميك ، ترى وكأن السيارات والآليات تخرج من إحدى الطوابق في الأبنية قبالتك بسبب الزحام..! جسرٌ هنا وتحويلةٌ هناك ، لا تدري كيف بدأ هذا الخط من الإسفلت ، وليس لديك فضول لتعلم أين ينتهي ..!
لكن محالٌ ألّا تنتبه على أنّ هذا الإسفلت قد تمّ نهشُ أطرافه من قبل الناس ، نعم قطّعوا أوصاله معلنين عن بداية ركام وأنقاض و مرتفعات من الأحجار المفتقدة لأعمدة الدعم ، دعونا نطلق عليها مجازياً بيوت وحارات ومناطق..
أو بغض النظر عن التسمية ، إنها طرق ضيقة تحتشدُ على جانبيها أكوام ولّادة من البشر ، ينجبون من اللاحياة حياة ! ، هذه الحارات طرقاتها عبارة عن غبار وأكياس تطاير في الصيف ، وسواقي مياه في الشتاء! ، لكنها حاضرةٌ وبقوة في هذه الدورة الكونية ، ناس تعشق الحياة على الرغم من عدم وجودها ، يطردون رائحة الموت والفقر عن طريق زراعة الورود في كل زاوية من بيوتهم ..أو مآويهم دعونا نقول..!
على العموم واردٌ جدّاً أن تكون الحياة هنا أبسط من الغوص في المدينة النظيفة ، ورؤية قامات السوشل ميديا يطعمن الشعب نظراتهم الفوقية ، يبيعونهم تواضعهم الفوقي ورفاهية حياتهم ، يستعرضون زملاؤهم من الكلاب الإفرنجية التي تتدلى من نوافذ السيارات الفارهة!
إذا لم تقتنع لحد هذه اللحظة ، فاتبعني إلى مناطق الأشباح ومخلفات الحرب ، التصق بي وأنت تمشي كي أدلك على طريق خالٍ من لغمٍ هنا وشظية غير منفجرة هناك ، تعال وشاهد البيوت التي نهبت وحرقت وسرقت باسم الحرية ، تجوّل براحتك فيها ، فأقرب أصحابها الآن لديه وردية حراسة في إحدى دول العالم..!
ولا تقلق ..لن يفوتنا وقت الصلاة ، فلقد تبرّع أحدهم بإعادة إعمار الجامع ، نعم ، فأين ستصلّي كل هذه الأرواح الحوامة ، أين ستسجد كل هذه الدماء المنشورة على الجدران ، أين ستخشع كل هذه السقوف المهدمة ، من المهم وجود جوامع وسط هذا الرماد ، على الأقل تؤنس وحدة المتشردين الذين افترشو الدمار منامةً لهم ، ووضعو يدهم على هذه البقعة معلنين بدايةً حياة أخرى وناس أخر ، أو على الأقل نصّبو أنفسهم حرس على هذه الفوضى ، لحين عودة أصحابها..
Views: 6